يشفق البعض على الوضع السياسي الراهن .. ويخشون عليه الانهيار .. لجهة أن التحالف القائم الآن بين المدنيين والعسكريين .. والمناط به إدارة الفترة الانتقالية .. تعتوره الكثير من التعقيدات .. التى تهدد بتعثره .. إن لم يكن انفضاضه بالكامل .. ولكن يبدو أن ثمة عوامل جوهرية .. تغيب عن بال هذا البعض .. ولكن قبل استعراض تلك العوامل .. دعونا نسبر غور هذا التحالف وتتبع مسيرته .. وهذا التحالف قد أخذ اشكالا عدة قبل أن ينتهى الى ما انتهى اليه الآن .. وسأبدأ بتناول فقط مرحلة ما بعد 6 ابريل 2019 .. علما بأن بيارق هذا التحالف كانت قد بدأت تلوح قبل ذلك بفترة طويلة .. ولكن بأشخاص مختلفين .. وسيناريوهات مختلفة .. ولم يأت أوان الخوض فى تلك السيرة بعد ..ولكن و منذ وصول مقدمة ثوار ديسمبر الى مشارف القيادة العامة .. كان شكل التحالف قد بدأ يتشكل .. بالتزامن مع رؤى مختلفة تتشكل عند الأطراف .. عن رؤية كل طرف لدور الطرف الآخر .. وحجمه ومداه وتأثيره .. لتبدأ معركة .. عض الأصابع .. فى محاولة من كل طرف لاحتلال مقعد القيادة منفردا مع التنازل عن .. هامش محدود للطرف الآخر .. !
واستمر الجدل .. والضغط على الأصابع نيف وخمسين يوما .. ويبدو أن الضغط كان قد بلغ حدا لابد أن يفضي لانفجار .. فجاء ذلك من تلقاء العسكريين .. ليتخذوا بعدها قرارا ظنوا أنه يحسم المعركة .. بضربة واحدة والى الأبد .. فقد شكل اعتصام القيادة ..بكل حجمه وثقله وزخمه وفعالياته .. ضغطا هائلا على العسكريين .. وهكذا استيقظ السودانيون صبيحة الثالث من يونيو 2019 على زخات الرصاص تحصد الشباب فيما عرف لاحقا بـ ..جريمة فض الاعتصام .. وبدا أن جهة ما قد تنفست الصعداء .. جراء إزاحة ذلك الثقل .. فمضى العسكريون لآخر الشوط .. ليعلن الفريق البرهان عن إلغاء كل التفاهمات والإتفاقيات مع قوى إعلان الحرية والتغيير .. ويعلن الفريق محمد حمدان حميدتى نائب رئيس المجلس العسكري الإنتقالى فى جولات متتالية ..وفى تناغم كامل مع رئيسه .. أن الشعب الحقيقى هو الإدارة الأهلية ونظاراتها وقبائلها .. ثم يطلب منهم التفويض .. فيمنحوه حبا وكرامة .. ثم يعلن الفريق صلاح عبد الخالق عضو المجلس العسكرى .. شرعية النقابات الإنقاذية وعدم جواز حلها .. كان جليا أن الرصاص الذى انهمر على أجساد الشباب صبيحة الثالث من يونيو .. ينسف معه فى الواقع .. آخر ملامح التحالف السياسي الذى كان قائما حتى ذلك الوقت .. بين العسكريين والمدنيين ..!
ولكن المفاجأة .. أن ذلك الرصاص لم يفتح الطريق .. بل الواقع أنه سد الأفق .. ووجد صاحب ( النظرية ) نفسه يدور فى حلقة مفرغة .. أما المدنيين الذين سحبوا أصابعهم سريعا .. واحتفظوا بها سليمة .. فقد كانوا يدركون أن ثمة جولة أخرى .. وليس أمامهم سوى أحد خيارين .. إما الفوز أو الفناء .. ولأن الشعب لا يفنى .. فقد كانت الجموع تسد الأفق منتصف نهار الثلاثين من يونيو 2019 .. المليونية الأشهر .. وتفتح الطريق الذى سده الرصاص فى الثالث من يونيو من ذات الشهر .. وتثبت المليونية .. أن الشعب ومن يمثله لا يمكن تجاوزهم .. وأن الضامن الوحيد للثورة هو الشعب .. وأن البقاء فى السلطة أو الوصول اليها .. يمر عبر إرادة الشعب أو أجساد بنيه .. فكانت الترجمة العملية لكل هذا .. عودة التحالف من جديد بين المدنيين والعسكريين .. لكن بشروط جديدة ومعطيات جديدة .. نفصل فيها غدا ..!
محمد لطيف
السوداني