تصيبني الكثير من الأمثلة والحكم القديمة بحالة من الدهشة، خصوصاً إن جئت لتقارنها بالواقع الذي نعيش فيه.
مثلاً هنالك حكمة تقول: (المعاناة تولد الابداع)، وهي حكمة أو مقولة لا أظن أنها جاورت ولو 1% من الصواب، فكيف تولد معاناة إبداعاً..؟
كيف يستطيع انسان لا يملك (حق الفطور) في أن يبتكر لنا شيئاً مبدعاً..؟ وكيف يمكن لمخترع أن يفكر وعقله مشغولاً بتدبير حق (الولادة) وقروش الإيجار..؟
بل كيف يمكن لشاعر أن يبدع ويكتب لنا قصيدة وهو يزاحم وسط جموع المواطنين للظفر بمقعد في مركبة عامة وافق سائقها على حمل الركاب بعد (تحانيس)..؟
وكيف يستطيع موظف أن يبدع في عمله ومؤسسته (المحترمة) تمنحه راتباً لا يتجاوز الألف جنيه (بعد خصم التأمين والدمغات وضريبة الدخل الشخصي)..؟
وكيف نحلم أخيراً بساحة فنية نظيفة ومبدعة في ظل معاناتنا مع الفنانة (علوية جركانات) ورفيقة دربها (مريم بلنجات)..؟…والحال مع المفردات القديمة هو ذات الحال مع تضاد الحِكم والأمثلة في الواقع المرير.
وفي زمان جميل كانت النساء تطلق على الرجل ألقاباً ذات أبعاد جميلة من ضمنها (شيال التقيلة) و(قشاش دموع الببكن) و(عشاء البايتات) وغيرها، أما الآن فقد أصبحت ألسنة النساء تلوك مفردة واحدة وهي: (سجمي يايمة الرجال ماتوا في كرري)…وذلك ضمن اعتراف صريح بأن كل تلك المسميات السابقة انتهت بنهاية ذلك الزمان، وبحلول زمان جديد صار فيه (شيال التقيلة) لا يملك (العضلات) الكافية لممارسة تلك الجزئية.!
كذلك حال المفردات مع النساء، فقديماً كان الشعراء يصوغون اللحن والكلمة من وحي الخيال، دون أن يشاهدوا المرأة وجهاً لوجه، ويعتمدون على صورة ذهنية مسبقة تحتوي على الكثير من رحيق العادات والتقاليد والجمال الطبيعي الذي لم يعرف له (الفير آن لفي) طريق وجه، فظهرت مفردات وعبارات على شاكلة: (حبيبي ما بجيب اسمو…بخاف الهواء يقسمو) و(حاول يخفي نفسو وهل يخفى القمر في سماهو)، و(ضامر قوامك لان قلبك قسى وجافيت الصيد يا جدي الغزلان)، و(الرشيم الاخدر في الخديد الانضر هم سبب آلامي)، وأغنيات ومفردات عديدة، واليوم وبعد أن بانت المحبوبة وظهرت بكافة تفاصيلها للعيان، غابت تلك الأغنيات وحلت مكانها أغنيات على شاكلة: (دلعك وذوقك الخلوني اتكسر فوقك وبردلب اقع).!
شربكة أخيرة:
(تقع لهاتك)…قول آمين
احمد دندش
السوداني