من زمن وأنا أبحث عن خبر سعيد على الصعيد القومي لا بل أكاد أجزم انني لا أتذكر متى سمعت فالاخبار المفرحة اصبحت اندر من الكبريت الاحمر وان شئت قل لبن الطير ولان المسافة بين العام والخاص قد تلاشت على شاعرنا المجيد محمد المكي ابراهيم ..تركنا الغناء للوطن وغنينا للحبيبة فوجدنا الحبيبة هي الوطن او كما قال . فالكدر أصبح هو المسيطر علينا إذ لانه لا يعقل ان تكون لديك أفراح خاصة في محيط عام من الإحباط ولكن ،مؤخرا من الله علينا بما يفرح النفس ويسعد القلب ويطمئن العقل وهو ارتفاع معدل الأمطار في شهر أغسطس الجاري في مناطق الزراعة في السودان لعل سبب الفرح الذي كسانا هو ان الأمطار هذا العام قد تأخرت وكان معدلها في يوليو المنصرم متدنيا جدا لدرجة أننا وضعنا أيدينا على قلوبنا لاسيما وان السيد البدوي الله يطراه بالخير قد بدد المخزون الاستراتيجي من الذرة وهذه قصة قد فصلناها قبل أيام هنا.
سعادتي بالأمطار جعلتني استدعي أبيات الدوبيت الشهيرة لشاعرنا الأشهر الحاردلو شاعر البطانة العظيم والتي تقول :-
الخبر الأكيد قالوا البطانة اترشت
سارية تبقبق للصباح ما انفشت
هاج فحل أم صريصر والمنايح بشت
وبت أم ساق على حدب الفريق اتعشت
فشاعرنا قد أسعدته الأخبار بهطول الأمطار عند أهله في البطانة وتخيل السعادة في الوجوه والخضرة التي كست الأرض لدرجة ان ناقته (بت أم ساق) تناولت وجبتها من طرف الفريق ولم تحتاج لهجرة من أجل الكلأ ولكن البيت الأبلغ في المربع اعلاه هو (هاج فحل أم صريصر…) فأم صريصر حشرة خريفية صغيرة من شدة فرحها بالمطر ان فحلها قد تهيج فالمطر يرفع الخصوبة والرغبة في الجنس حتى لدى الحشرات فما بالك ببني آدم فالواضح ان الشاعر خلع التهيج الآدمي على ام صريصر التي هاج فحلها وأظهرت الشبق أنثاه (المنايح بشت) بيد ان صديقنا الفنان والشاعر الكبير له رأي آخر ولكن ما ذهبنا إليه يدعمه بيت الدوبيت الشهير لذات الحاردلو:
الشم خوخت وبردن ليالي الحرة
والبراق برق من منه جاب القره
شوف عيني الصقير بجناحه كفت الفره
تلقاها أم خدود الليلة رقدت بره
فالطقس الخريفي البديع يزيد حراك كل الكائنات الحية، فالصقر يكفت الفره وهي طائر من فئة العصافير وأم خدود لم تنم بالداخل إنما خرجت للرقاد في الهواء. الطلق إذن ياجماعة الخير فالخريف وجداوه الاقتصادية لا يحتاج الى درس عصر او كثير كلام فهو أكسير الحياة وبدونه سوف تنقرض ولكن الحاردلو أضاف لنا انه لا يخصب الحياة بصفة عامة فقط إنما يرفع معدلات الخصوبة في الإنسان والحيوان والحشرات ولعل هذا يذكرنا بالقصة المعروفة (الجو جو فول) التي أخرجت من سياقها الأصلي واتجهت نحو قدرة الفول فالقصة الأصلية تؤكد ان الطقس الخريفي المنعش حيث (القره) بكسر القاف وهي نوبة البرد التي بعثت الهيجان وأنا ما بفسر وانت ما تقصر، فاللهم اجعله خريفا ناجحا عاقبته حصادا وفيرا ورخاء دائماً.
عبداللطيف البوني
السوداني