حفيت أقدام القطريين.. وهم يسعون للقاء مسئول سوداني واحد.. منذ سقوط نظام البشير.. مسئول واحد.. لا يهم مدنيا كان أو عسكريا.. المهم مسئول في حكومة الخرطوم.. دون جدوى..وفي أكثر من مناسبة كانت قطر تسعى لتبليغ الخرطوم فقط.. أنها ترغب في المساعدة.. وكانت النتيجة دائما.. لا رد.. وفي المقابل فإن المفارقة أن حكومة جنوب السودان.. وعبر وسيط غير رسمي.. ومن مقر إقامته في الخرطوم.. نجحت في التواصل مع الحكومة القطرية.. فحققت مكاسب جمة.. نعود إليها لاحقا..!
قلت من قبل إن قطر لعبت دورا محوريا في سقوط النظام.. تسألني كيف..؟ أذكرك فقط.. نهاية الأسبوع الثالث من يناير 2019.. كان للرئيس المعزول المشير عمر البشير زيارة مهمة للدوحة.. كان يعول عليها كثيرا فى إنقاذ ما يمكن إنقاذه.. ولن ننشغل بتفاصيل الزيارة.. بل يقتصر تركيزنا على ساعة واحدة فقط.. من تلك الزيارة.. وهي الساعة التي شهدت لقاء مغلقا بين تميم والبشير.. بدأها الأول بطلب مباشر للأخير.. بسحب قواته من اليمن.. فاستنفد الأخير بقية الساعة لشرح تداعيات سحب القوات.. وآثارها السالبة على السودان.. حال لم يتم وضع تدابير لمواجهة كافة الاحتمالات.. فتحدث عن العوائد المالية..وتحدث عن الطفرة المالية في أوضاع الجنود والضباط.. تحدث عن مئات الآلاف من السودانيين الموجودين.. تحديدا في المملكة.. وكيف يمكن أن يكونوا خلال 48 ساعة في الخرطوم.. دون أن يكون لحكومته أي موارد أو إمكانات لمواجهة الموقف.. تحدث عن الاستهداف المباشر لنظامه من قبل المملكة حال سحب القوات من اليمن.. وغيرها وغيرها من الحجج التي سردها البشير أمام تميم.. وهو يرجو أحد حسنيين.. أن يصرف تميم النظر عن مطلبه بسحب القوات.. أو يتعهد بتحمل التكاليف المالية التي يمكن أن تترتب على قرار سحب القوات..!
ولكن.. وفي ختام الساعة.. فوجىء البشير بتميم.. يعيد تقديم ذات الطلب الذي بدأ به الجلسة.. مرة أخرى.. دون أن يكون مشفوعا بأية تعهدات مالية.. فخرج غاضبا.. ثم ازداد غضبه.. حين علم لاحقا.. أن القطريين تلقوا من مصادرهم الخاصة.. ومن بينها واشنطن.. ما يفيد بأن سقوط النظام بات مسألة وقت.. فلا داعي للدعم.. فعاد إلى الخرطوم.. وحدث ما حدث.. وفي رأي كثير من المراقبين.. أن حجب الدعم القطري في ذلك التوقيت الحرج والحاسم من عمر النظام.. كان له تأثير بالغ.. في إضعاف موقف البشير شخصيا.. وبالتالي في وضع النظام عموما.. ولعله ولسبب من هذا.. يبدو من غير المفهوم لأولئك المراقبين.. هذا الموقف الرسمي المتمسك بإغلاق كافة قنوات التواصل مع الدوحة.. من قبل الخرطوم الرسمية.. في وقت تتوسل فيه عواصم أخرى.. لذات الخرطوم للوصول إلى الدوحة.. فتصل بالفعل.. وتحقق مكاسب عديدة.
غداً نحدثكم عن كيف ذلك.. ثم نحدثكم عن تفاصيل الصدفة القطرية.. وحقيقة ما جرى في جوبا.. وكيف وحدها الصدفة قادت مبعوثا قطريا.. إلى مقر المفاوضات السودانية.. منبر جوبا.. فجن جنون الخليج..؟
محمد لطيف
السوداني