جريمة القرن !

* كتبت من قبل عن ما يعرف بـ(المشروع القطري لتنمية الآثار السودانية)، وهو في حقيقة الأمر ليس سوى مشروع لسرقة آثار السودان ونقلها الى دولة قطر مقابل مبلغ زهيد من المال وبعض الاستراحات من الدرجة العاشرة في بعض المناطق الاثرية الغرض منها في المقام الأول إقامة بعثات التنقيب الأجنبية التي تعمل لصالح قطر لسرقة الاثار السودانية!
* بدأ المشروع خلال عهد المخلوع الذي لم يكتفِ بسرقة وتدمير كل شيء جميل على ظهر الأرض في السودان، بل امتدت يده الآثمة لتعبث بتاريخ السودان وكنوزه الأثرية التي لا تقدر بثمن، ما اكتُشف منها وما لم يكتشف، وبيعها بثمن بخس لدولة قطر تحت غطاء ما يعرف بالمشروع القطري لتنمية الآثار السودانية وبقية المسرحية الخبيثة، والزيارات المتعددة لأميرات الاسرة الحاكمة القطرية للمناطق الأثرية في السودان ونشر الصور الجذابة لخداع الرأي العام السوداني الساذج بالاهتمام القطري بآثار وكنوز السودان الأثرية، بينما الغرض الحقيقي هو تجريد السودان من تاريخه القديم وحضارته ونقلها الى قطر الى الأبد !
* وكنت قد عرفتُ بالمشروع عن طريق الصدفة المحضة قبل بضعة اعوام، ولم يكن قد سمع به أحد في ذلك الوقت، فكتبت مقالا متسائلا عن حقيقة المشروع واهدافه الحقيقية، مما ادى لإيقافي عن الكتابة بواسطة جهاز الأمن اكثر من عامين، فأيقنت أن الهدف منه سرقة آثار السودان ونقلها الى قطر تحت غطاء المشروع، وهو ما ظل يحدث بالفعل طيلة السنوات الماضية التي شهدت سرقة منهجية ومنظمة للأثار والحضارة السودانية ونقلها الى عدد من الدول، وعلى رأسها قطر بدعوى إجراء دارسات عليها، بينما الهدف الحقيقي هو عرضها بشكل دائم في المتحف القطري الوطني الذي بنى قبل بضعة سنوات ويجري اعداده وملؤه بالآثار المستجلبة من عدة دول من بينها السودان استعدادا لنهائيات كاس العالم لكرة القدم في قطر عام 2020 !
* عبَّرت آنذاك (عام 2014 ) عن عدم ارتياحي للاهتمام الحكومي المفاجئ بالآثار ومخاوفي مما يسمى بـ (المشروع القطري لتنمية الآثار)، وخمنتُ ان وراءه مؤامرة لبيع آثار السودان لقطر خاصة مع إنشاء المتحف القطري الجديد الذي يضم قسماً ضخما لآثار وادى النيل، ورفض الحكومة المصرية (آنذاك) للعرض القطري الضخم الذي يبلغ 8 مليار دولار لتطوير الاثار المصرية بعد افتضاح الهدف الرئيسي منه!
* بعد الرفض المصري اتجهت قطر نحو السودان، ورشت النظام الفاسد بمبلغ (135) مليون دولار فقط مقابل سرقة اثارنا المكتشفة وغير المكتشفة، وأحضرت (41) بعثة أثرية تنقب في اكثر من 1500 موقع، وتسرق ما تكتشفه وتنقله مباشرة بالطائرات من مواقع الحفر الى قطر بمزاعم إجراء دراسات عليه، فضلا عن تجريد المتاحف السودانية من الآثار الموجودة فيها تحت سمع وبصر وموافقة ومباركة النظام البائد والمسؤولين الذين تجردوا من المسؤولية الاخلاقية والوطنية، وحولوا كل متاحف الآثار وعلى رأسها المتحف القومي، الى صحراء قاحلة ينعق فيها البوم ليس فيها من آثار سوى ما عجز اللصوص عن سرقته أو استرخصوه، بل تعرض المتحف القومي للانهيار بفعل الاهمال والأمطار وتأجير صالاته وميادينه لإقامة الاحتفالات والمناسبات الخاصة، بعد ان صار مثل أي صالة معروضا للإيجار لمن يدفع !
* وللأسف لا تزال بعثات التنقيب القطرية تمارس التنقيب والنهب حتى هذه اللحظة، ولقد اكتشفت بعثة فرنسية تابعة لدولة قطر قبل حوالي اربعة اشهر بعض الآثار التاريخية في جزيرة (صاي) شمال السودان تعود الى ألفي عام الى الوراء، ونقلتها الى قطر بزعم إجراء دراسات عليها وإعادتها، ولكنها لن تعود مرة أخرى مثل غيرها من الآثار التي نُهبت !
* قبل حوالي ستة اشهر رفع تجمع المهنيين بالهيئة العامة للآثار والمتاحف مذكرة ضافية بكل ما يحدث من تدمير وفساد ونهب في مجال الآثار الى مجلس الوزراء الذي قام بتحويلها بخطاب رسمي الى وزير الاعلام والثقافة في نفس اليوم، ولكنه لم يعرها أي اهتمام، وعندما يئس التجمع من الوزير طلب موعدا لمقابلة الوكيل الذى لم يتكرم هو الآخر بالرد، ولقد تحدثتُ عن ذلك مستنكرا، وللأسف لا يزال تاريخنا يسرق تحت أبصارنا وأسماعنا حتى اليوم ونحن نتفرج!
الجريدة
زهير السراج

Exit mobile version