مثلث الشر !

* شهدت الأيام الماضية تحركات واجتماعات مكثفة بين الجبهة الثورية وعدة دول وجهات خارجية على رأسها المخابرات المصرية تحت عنوان (تسريع عملية السلام) في السودان، ولكنها تهدف في حقيقة الأمر إلى فرض الجبهة الثورية على مؤسسات السلطة الانتقالية لتدعيم نفوذ العسكر وتقوية قبضتهم على السلطة بشكل مطلق، ودفن أي محاولة لتحقيق مدنية وديمقراطية الدولة السودانية قبل أن تبدأ بشكل رسمي فترة عمل البعثة الدولية في السودان لمساعدة الحكومة المدنية لتحقيق اهداف الفترة الانتقالية !
* تقابل تلك التحركات المشبوهة محاولات وتحركات من الدول الغربية لمساعدة الحكومة والقوى المدنية للسير في طريق تحقيق الدولة المدنية، كان آخرها القرار الأمريكي بفرض عقوبات على كل من يحاول عرقلة مساعي الحكومة من عناصر النظام البائد (المدعومة من مثلث الشر العربي المكون من مصر والسعودية والأمارات)!
* ولا بد هنا من إعادة القول بأن الجنرالات الذين يتحكمون في البلاد الآن منتهزين صراعات وتفكك تحالف قوى الحرية والتغيير وضعف الحكومة والأوضاع الاقتصادية السيئة وهيمنتهم على السلاح والاموال والشركات الضخمة، بالإضافة الى الوثيقة الدستورية الهشة التي أعطتهم السيطرة الكاملة على القوات النظامية، لن يسمحوا أبدا بالتوصل لاتفاق سلام مع قوى المعارضة العسكرية الرئيسية التي تتمتع بسند شعبي واسع وهي الحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال (عبد العزيز الحلو) وحركة تحرير السودان (عبد الواحد محمد نور)، ليقينهم الراسخ بأن وجود شخصيات قوية وقوى عسكرية كبيرة داخل مكونات السلطة الانتقالية يعنى بشكل تلقائي تقوية الجانب المدني وانتهاء سيطرتهم واحتكارهم للسلطة والمال، وبالتالي فإنهم لن يسمحوا بالوصول لاتفاق سلام مع هذه القوى مهما كان الثمن، بينما يستميتون في الاتجاه الآخر لعقد اتفاق مع الجبهة الثورية، الغرض منه تدعيم نفوذهم في السلطة، وليس تحقيق السلام المزعوم الذى لن يتحقق بالاتفاق مع شراذم لا علاقة لها بما يحدث على الارض !
* وأذكّر مرة أخرى بالتحركات المكوكية للفريق (حميدتى) للاجتماع بقادة بعض الفصائل المسلحة في العاصمة الشادية (إنجمينا) في يوليو 2019 لقطع الطريق أمام قوى الثورة للتفاوض معها، ونجح في ذلك بالفعل حيث ظلت الجبهة الثورية التي تتشكل منها تلك القوى، تماطل في توقيع اتفاق مع قوى الحرية والتغيير أو التنصل عن الاتفاقيات التي تعقدها معها لأسباب وحجج واهية منها عدم تمثيلهم في الحكومة ..إلخ وتعطيل تعيين الولاة المدنيين وتشكيل المجلس التشريعي، بغية فرض الشروط التي تمكنها من المشاركة في السلطة بالطريقة التي تريدها بما يقوى سيطرة الجنرالات على السلطة، خاصة (حميدتي) الذى صار حليفهم الأول !
* ولكي يكتمل تنفيذ المخطط كان لا بد من احتكار التفاوض في جوبا والسيطرة عليه بشكل كامل من خلال وجود (حميدتى)على قمة الوفد الحكومي المفاوض، ويحل محله عند غيابه الفريق (الكباشي)، وذلك حتى يتسنى لهم فرض إرادتهم الكاملة على المفاوضات مع غياب الحكومة والجانب المدني عنها والتأثير عليها !
* لقد رأينا كيف انحرفت المفاوضات عن مسيرتها في وجود الجنرالات، فبدلا من الجلوس مع الحركات المسلحة التي لها قواعد شعبية كبيرة على ارض الواقع، فتحوا المجال واسعا للتفاوض أمام الحلفاء الباحثين عن المناصب والوجاهات، فظهرت بدعة (المسارات) التي لا تمثل إلا بضعة أشخاص، وفي بعض الأحيان شخصا واحدا مثل (التوم هجو) الذي يزعم أنه يمثل (تيار الوسط) بدون أن يُفوضه أحد أو يعرف أحد أي وسط يمثله، وما علاقة الوسط بمفاوضات السلام أو الحرب الأهلية التي تدور في البلاد !
* كما عملوا بكل قوة على وضع العقبات أمام مشاركة القوى المسلحة الرئيسية في المفاوضات، وكانت العقبة الأولى التي لجأوا إليها هي منع تحقيق العدالة لضحايا دارفور منذ الأيام الأولى لسقوط النظام البائد وسيطرة المجلس العسكري على السلطة، بإصرارهم على عدم تسليم المخلوع وبقية المتهمين بجرائم الحرب للمحكمة الجنائية الدولية، الأمر الذي سيقف عقبة أمام مشاركة أهل دارفور وحركة تحرير السودان (عبد الواحد محمد نور) في مفاوضات السلام !
*العقبة الثانية، الرفض المطلق لمطلب فصل الدين عن الدولة الذي وضعته الحركة الشعبية لتحرير السودان (الحلو) كمطلب للتفاوض، ولكن رفضه الجنرالات ليس غيرةً على الدين أو حرصا على أخذ رأي اهل السودان في المؤتمر الدستوري، كما زعموا .. وانما لإعاقة التفاوض وعدم الوصول الى سلام مع أكبر الحركات المسلحة في البلاد ومنع مشاركتها في السلطة التي تعنى وضع حد لسيطرتهم المطلقة على البلاد !
* لقد كان بإمكان الجنرالات مناقشة هذا الموضوع مع الحركة وإدخال أطراف دولية لها وزن وتأثير عليها لتليين مواقفها، والوصول الى تسوية معقولة ووضع أجندة للتفاوض مقبولة لكل الأطراف، خاصة مع تأكيد الوثيقة الدستورية في المادة (3 ) بأن المواطنة هي أساس الحقوق والواجبات دون تمييز بسبب العرق والدين … إلخ، وهو ما كان بإمكانه أن يلعب دورا كبيرا في تقريب وجهات النظر، ولكنهم استغلوا الفرصة وسارعوا برفض مطلب الحركة الشعبية ليقفلوا باب التفاوض معها خوفا على سلطتهم المستقبلية، متحججين بترك الأمر للمؤتمر الدستوري، ولا يدرى أحد كيف سينعقد هذا المؤتمر بدون الوصول الى اتفاق سلام ومشاركة جميع أهل السودان فيه!
* وهاهم الآن يستعينون عيانا بيانا بالقوى الخارجية التي لا تريد خيرا للسودان، لإشراك الجبهة الثورية في السلطة ووضع حد نهائي للتفاهم مع الحركات المسلحة ذات الوزن والشعبية، وفقدان الأمل في تحقيق السلام واستمرار الحروب والاضطرابات في السودان فيسهل التحكم فيه بواسطة العسكر وهو ما يسعى إليه الجنرالات بمساعدة حلفاؤهم في (مثلث الشر) والجبهة الثورية الأمر الذى يجب أن تنتبه إليه القوى المدنية وتترك الصراعات جانبا، وتعمل بكل ما في وسعها للحيلولة دون عقد أي اتفاق مع الجبهة الثورية ومشاركتها في السلطة التي لا تعنى سوى لف الحبل حول عنق الحكومة والدولة المدنية الديمقراطية والسلام والاستقرار في السودان !
الجريدة

زهير السراج

Exit mobile version