الظهار وأحكامه أو الظهار وحكمه سؤالان لمضمون واحد، وهو محل بحث كثير من الناس على مواقع الانترنت، ويعرف الظهار في اللغة مصدرٌ، والفعل منه: ظاهر، فيُقال: ظاهر من امرأته؛ أي قال لها: “أنت علي كظَهْر أمي”، والظهار شرعًا هو: “تشبيه الرجل لزوجته، أو لجزءٍ منها، بإحدى النساء المحرمات عليه تحريمًا مؤبّدًا، ومثاله: أن يقول الرجل لزوجته: “أنت عليّ كظَهْرِ أمي”، أو “كظَهْرِ أختي”.
حكم الظهار:
حرم الظهار بإجماع العلماء؛ استنادًا لعدد من الأدلة، أبرزها:
قول الله – تعالى-: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّـهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ)، فاعتُبر الظهار من قول الزور، والمنكر، الذي يعد من كبائر الذنوب التي ورد النهي عنها.
وقوله -عز وجل-: (وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ). و رُوي في السنّة النبويّة، من حديث أوس بن الصامت، أنّ زوجته اشتكت للنبي -عليه الصلاة والسلام- مُظاهرة زوجها لها، فأنزل الله -تعالى- سورة المجادلة.
فحرمت الشريعة الإسلامية الظهار، وأبطلته، ورتبت على من ظاهر زوجته، وأراد العودة إليها، كفارةً؛ عقوبةً، وزجرًا له عن فعله، إذ إن الظهار مخالفٌ لحقيقة الأمور، كما أن فيه ظلم بالزوجة، وإلحاق للضرر بها.
أركان الظهار وشروطه:
بين العلماء أركان وشروط الظهار، فيما يأتي بيانها وتفصيلها:
1. الزوج: ويطلق عليه المُظاهِر، ويشترط فيه أن يكون عاقلًا، بالغًا، مُختارًا، وهي ذات الأمور المشروطة في المُطلِّق ليقع الطلاق منه.
2. الزوجة: ويُشترط فيها ما يُشترط لوقوع الطلاق عليها، وإن كانت في العدة من طلاق رجعي، سواءً كان الظهار قبل الدخول، أم بعده، ولا يصح الظهار من الأجنبية، كأن يقول الرجل لأجنبيةٍ عنه: “إن تزوجتكِ فأنتِ عليّ كظَهْرِ أمي”.
3. الصيغة: والصيغة في الظهار إما أن تكون صريحةً، أو كنائيةً، ومن أمثلة الألفاظ الصريحة؛ أن يقول الرجل لزوجته: “أنتِ عليّ كظَهْرِ أمي”، أو يقول: “أنتِ معي، أو عندي، أو لي كظَهْرِ أمي”، ومن الألفاظ الصريحة أيضًا؛ قول الرجل لزوجته: “أنتِ عَلَيّ كبَدَن أو جسم أمي”، وكذلك إن ذكر أي جزءٍ من زوجته، كأن يقول: “نِصفُكِ، أو رُبعُكِ”، ومن الصِيغ الكنائيّة؛ أن يقول الرجل لزوجته: “أنتِ عَلَيّ كرُوح أمي، أو رأسها”؛ فحينئذ يُنظر في نيته؛ فإن أراد الظهار وقع ظهاره، وإن أراد غير ذلك لم يقع، باعتبار الألفاظ الكنائية تُفيد الظهار، وغيره، كما قد تُستخدم في العُرف لغير الظهار، فكان لازمًا تحديد النية.
4. المُشبه به: وهو الطرف الذي يقع عليه تشبيه الزوجة به؛ كالأم، وغيرها من النساء المحرمات على الزوج حُرمةً مؤبدة، سواء كان سبب التحريم النسب، أو المُصاهرة، أو الرضاعة، ويستثنى من ذلك من كن حلالًا للزوج في وقت ما قبل التحريم، مثل: زوجة الابن، والمُرضعة.
الآثار المترتبة على الظهار:
تترتب عدة آثارٍ على الظهار بتحقق شروطه، أبرزها:
1. تحريم استمتاع الرجل بزوجته بسبب الظهار يُحرم على الرجل الاستمتاع بزوجته بسبب الظهار، قبل أداء الكفارة المترتبة عليه، سواء كان الاستمتاع بالوطء، أو بمقدماته؛ مثل: اللمس، أو التقبيل، أو المباشرة دون الوطء، وعلى ذلك أجمع العلماء، استدلالًا بقول الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).
و لما ورد في السنة النبوية أن رجلًا ظاهر امرأته، ثم جامعها قبل أن يكفر عن مظاهرته لها، فأعلم النبي بذلك، فأمره بالاستغفار، وعدم العودة إلى ذلك الفعل حتى يكفر عن مظاهرته لامرأته؛ يدل ذلك على حُرمة الوطء بعد الظهار قبل التكفير عنه، ووجوب الاستغفار عن الظهار؛ مما يدل على أنه ذنب محرم الارتكاب، كما أن مُطلق النهي يدل على تحريم الأمر المنهي عنه؛ أي تحريم العودة إلى الوطء بعد الظهار، دون التكفير عنه.
أما دواعي ومقدمات الوطء؛ فقد اختلف العلماء في حكمها بعد الظهار؛ وبيان خلافهم وأقوالهم فيما يأتي:
1. القول الأول: قال الحنفية، وأكثر المالكية؛ بتحريم دواعي ومقدمات الوطء قبل أداء كفّارة الظِّهار، وقد استدلّوا على ذلك بقول الله -تعالى-: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا)، ووجه الاستدلال من الآية أن لفظ (التماس) الوارد فيها يدل على اللمس باليد، أو بغيرها من أعضاء الجسم، ولأن الوطء مُحرمٌ قبل الكفارة، فإن الدواعي إليه، كاللمس، والتقبيل، والمباشرة دون الفرج مُحرمةٌ؛ إذ إنها تؤدّي إليه، كما نصّت القاعدة الشرعيّة: “ما أدى إلى الحرام حرامٌ”.
2. القول الثاني: قال الشافعية، وبعض المالكيّة، والإمام أحمد بن حنبل؛ بإباحة دواعي ومقدّمات الوطء، وعدم تحريمها قبل أداء كفّارة الظِّهار، وقد استدلوا على ذلك بأن المقصود من التماس المحرم قبل التكفير عن الظهار هو: الجِماع بين الرجل وزوجته، ودليلهم في ذلك قول الله -تعالى- في الآية الأخرى: (وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ)، فقالوا إن المقصود باللمس في الآية: الجِماع، كما استدلوا على إباحة دواعي الوطء قبل التكفير عن الظِّهار بإباحتها أثناء الحيض والنفاس، مع تحريم الوطء في مدتهما؛ بالنظر إلى أنّ الوطء محرم في الحيض والظهار
صدى البلد