*مصدر: أخطر قرارات الإنقاذ أُتخذت داخل مباني المُنظمة
* الإستوديو الذِي سُجِل فِيه بيان إنقلاب الـ(30) مِن يونيو كلف نصف مليون دولار
* خبير استراتيجي : قرار حلّ مُنظمة الدعوة الإسلامية مُتسرع
* الأمين العام للمنظمة يُطالب بمحاسبة من قام بتسجيل البيان وليس المنظمة أجمع
كانت مُنظمة الدعوة الإسلامية تعمل بشكل جيد،قدمت للسُّودانيين خدمات جليلة لا يُمكن إنكارها سيما فِي جنوب السُّودان قبل انفصاله بيد أنّ الأمر تبدّل بتسارع الأحداث السياسية وسيطرت الإسلاميين على مقاليد الحُكم”.
هكذا أختصر موظف سابق بالمُنظَّمة التي عمل بها لسنوات عِدة كيف بإمكان السياسة ما أن تختلط بشيء أن تُفسده،مُستذكراً ما أشار إليه الشيخ محمد عبده بقوله : ” قاتل الله السياسة فإنها ما دخلت في شيء إلا أفسدته”.
* خُيوط الظلام
فِي كتابهِ “الحركة الإسلامية في السُّودان التطّور،الكسب والمنهج” أماطَ المفكر الإسلامي د.حسن عبدالله الترابي اللِثّام عَن كيف وبأي السُبل والطرق وصل إسلاميو السودان إلى ما وصلوا إليه على مستوى نظام الجماعة،ومناهج التنظيم والانتشار،والتمويل والقيادة،وعلى مستوى النشاط في المجتمع إسراراً وإعلاناً نخبوية وشعبية، وأساليب هذا النشاط، وآليات العمل السياسي تعبئة ومجاهدة وتحالفاً ومشاركة،وعلى مستوى الكسب الفكري والمنهج الإصلاحي.
أمّا ما يُهمنا نحن فِي هذا التحقيق إعترافه الذِي تضمنه الكتاب أنف الذِكر والذي وثق لسنوات الإخوان أبان الفترة مِن (1977 حتى 1985) وبلغة واضحة تُتِيح لمن يُريد معرفة خبايا الحركة الإسلامية مِن الأبواب الواسعة. ذَكَر “الترابي” ـ عراب الإخوان فِي السًّودان،توجِيهم أفراد يتبعون للحركة الإسلامية لتأسيس مُنظمة الدعوة الإسلامية،والتّي تحولّت بمرور السنوات لِما يُشبه الدُويلة داخل جمهورية السُّودان،يحكمها قانون خاص،ويتمتع العاملين فِيها بمزايا دبلوماسية عريضة مكنتهم فِيما بعد مِن إكتناز الأراضي والسيارات الفارهة.
وجَاء في الكتاب : (ولما إعتمدت الحركة إستراتيجية إيجابية نحو الجنوب تقضي إستيعابه في المشروع الإسلامي لا إهماله ولا فصله توجهت عناصر من الحركة لتأسيس منظمة الدعوة الإسلامية).وتابع بأنهم أسسوا المشاريع الإقتصادية والواجهات والإهتمام بجنوب السودان عبر العمل الخيري من خلال منظمة الدعوة الإسلامية من خلال التبشير والعمل الطوعي والإجتماعي وتقديم العون للاجئين والنازحين بسبب الحرب الأهلية.
وحسب إفادات تلفزيونية للترابي أدلى بها لبرنامج “شاهد على العصر” والذِي بثته فضائية الجزيرة القطرية،فقد تم إنشاء منظمة الدعوة الإسلامية من قبل الحركة الإسلامية التي يتزعمها واختارت الخرطوم مقراً لها،ثم «بدأت الحركة الإسلامية تمتد إلى جنوب السودان،وأطلقت عدة منظمات للدعوة الإسلامية وللإغاثة،وأخرى تختص بشؤون الشباب والمرأة،إضافة إلى تطرقها لحوار الدين والفن والرياضة»،وهي أمور يقول الترابي في إفادته إنها كانت غريبة على الشعب السوداني،لكنه تقبلها لأن المدخل إليها كان الدين الإسلامي.
*تدحرج كُورة الثلج
ظهرتْ مُنظمة الدعوة الإسلامية للعلن فِي العام 1980 رافعة شِعار الأعمال الخيرية أولاً ثْم مالبثت أنّ تدحرجت كُورة الثلج،ضربة البداية كانت بصياغة قانون خاص بالمنظمة أُطلق عليه “قانون مُنظمة الدعوة الإسلامية لسنة 1990″وذلك بالرغم مِن تسجيلها وفقاً لقانون الهيئات التبشيرية لسنة 1962. منح القانون المنظمة شخصيةً إعتبارية وحق التملك وإنشاء المشاريع الإستثمارية لتمويل أنشطتها والحصول على القُروض والتبرعات والهبات وهو ماجعلها مُؤسسةً إقتصادية أكثر من كونها منظمة تطوعية خيرية لخدمة المسلمين.وفي هذا الصدد قال “وجدي صالح” عضو لجنة إزالة التمكين واسترداد الأموال إن القانون الخاص لا تتمتع به اي منظمة اخرى منحها حق التعامل بالنقد الاجنبي ونقل الاموال داخل و خارج السودان ومنحها حصانة تفوق الحصانات الدبلوماسية وانها اصبحت تُسيطر على الاقتصاد السوداني حقيقة.
*بيان أول
استخدم النِظام البائد باحات المُنظمة ذات المساحات الواسعة وقد بلغت مساحة مقر رئاستها بحي الرياض بالعاصمة الخرطوم (١٠٨٤٣) م ـ المساحة مذكورة بنص قانون المنظمة لسنة 1990،هذا اضافةً للعديد مِن الفروع المُنتشرة بالمركز والولايات – سوف يتطرق لها التحقيق كاملة لاحقاً – لِطبخ العديد مِن الخُطط التّي خلفت فِيما بعد نتائج مأساوية دفع ثمنها المئات مِن السُّودانين. يَسرد (م،ن) المُوظف السابق بمنظَّمة الدعوة الإسلامية فِي حديثه مع (الجريدة) تفاصيل تسجيل وإذاعة بيان إنقلاب ٣٠ يونيو ١٩٨٩م الذِي بثه تلفزيون السُّودان وتلاه الرئيس المعزول المشير عمر حسن أحمد البشير والذِي كان يشغل رتبة عميد آنذاك؛قائلاً : “البيان تم تسجيله بمباني المُنظَّمة وداخل “استوديو” كلف مايُقارب النصف مليون دولار”.
ما أدلى بِه أكده وعَضضه عُضو لجنة إزالة التمكين والفساد – القيادي بقوى الحُرية والتغيير – وجدي صالح بقوله إن مُنظَّمة الدعوة الإسلامية “كانت هي الدولة الحقيقية التي تُدير البلاد”،واتهم وجدي المنظَّمة فِي تصريح لوكالة الأنباء السُّودانية (سونا) بأنها “الذراع الحقيقية” لنظام 30 من يونيو وأشار إلى أن البيان الأول للانقلاب سُجل من داخلها وإن الانقاذ استخدمت المنظمة في التدريب والاعداد للانقلاب. وقال إن حل المنظمة لا يقصد به العمل الاسلامي بل هو تصحيح لوضع خطأ منذ تأسيسها فقط ركزت عملها في الاستثمار والعمل التجاري والاستمتاع بكافة الاعفاءات الجمركية والضرائب بينما لم يأخذ العمل في نشر الدعوة الاسلامية إلا نسبة ضئيلة من انشطتها بلغت 5% فقط،كما أنها لم تكن تعمل في مجال الدعوة والتبشير التي تظل مكفولة لها لكنها سيطرت اقتصادياً و سياسياً ونهبت اموال الشعب السُّوداني.
وهذا ماذهب إليه بدوره الناطق الرسمي بإسم لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو وإزالة التمكين د. صلاح مناع الذِي صرّح قائلاً إن مقر منظمة الدعوة الإسلامية بالعاصمة الخرطوم شهد تسجيل البيان الأول لإنقلاب البشير قبل استلامه السلطة في يونيو 1989م.
*المُنظَّمة والسياسة
تَوَجه المُنظَّمة للسياسة كان واضحاً لا تُخطئه عين،وقد طغى على المُهمة الأساسية التّي أنشأت لأجلها ومُنِحت صلاحيات غير محددة لأجلها أيضاً؛وفقاً لِما نص عليه قانونها الخاص.
سيما فِي سنوات حُكومة الإنقاذ الأولى؛التي تُعد مِن أخطر الأعوام مروراً على السَّودانيين حيث شهدت مآسي ومُنعطفات عديدة،وقرارات أُتخذت داخل أبواب ومكاتب المُنظَّمة المغلقة،وفِي مُقدمتها إعدام الطالب “مجدي ” ابن رجل الأعمال ذائع الصِيت محجوب محمد.
19ديسمبر 1989 كان يوم باذخ السواد لُأُسرة الشاب ذو الخمس والثلاثين عاماً وسُكان العاصمة الخرطوم أجمعين، فِفي أبشع كوابيسهم لم يتوقع أشقاء ووالدة الشهيد إعدامه لأنّه يحتفظ بتركة والده لِحين دُنو موعد تقسيمها كما أمر المُشرِع.
تواصلت سلسلة إتخاذ القرارات الحاسمة كما وصفها “البشير” فِي تصريحات سابق له حين قال “إن ضرورة استمرار الثورة تقتضي قرارات حاسمة “وقد كان حيث تم في يوم (24ـ ديسمبر ـ 1989) إعدام “جرجس بطرس” مُساعد طيار كان يعمل في الخطوط الجوية السودانية وبذات التُهمة حيازة نقد أجنبي ومحاولة تهريبه إلى خارج البلاد ليتم تنفيذ الحُكم بعد أسابيع من الوقوف أمام محكمة خاصة ونفذ الحكم في سجن “كوبر”.
وُصف جرجس ومجدي بأنهما من أوائل الضحايا المدنيين لنظام “البشير- الترابي”،إلا أنهما لم يكونا خاتمة المطاف فقد توالت العديد مِن الإنتهاكات الجسيمة كالفصل التعسفي وإنهاء خدمة موظفي المؤسسات الحكومية وإنطلاقة صافرة التمكين فِي الوظائف المهمة والحساسة بالدولة.
يُؤكد (م ، ن) لـ(الجريدة) : أنّ مقر مُنظمة الدعوة الإسلامية فِي بداية حُكومة الإنقاذ كانت المطبخ الذِي خرجت مِنه بعض أهم القرارات الحاسمة التّي إتخذها البشير ومنظومته آنذاك وعلى رأسهم نائبه سابقاً والمعتقل حالياً بسجن “كوبر” علي عثمان محمد طه.
مُضيفاً : “لا أنكر أنه وفِي بداية تأسيسها وترأس المشير سوار الذهب الأمانة العامة قدمت المُنظَّمة أعمال خيرية جمة استفاد مِنها عشرات السُّودانين سيما فِي المناطق النائية كالنيل الأزرق والجنوب قبل الإنفصال، بيد أن الأمر تبدل بمجيء الإنقاذ التي تحول توجهها مِن خيري إلى سياسي بحت”.
وبالتطرق لِما قدمته المُنظَّمة للسُّودانيين مِن أعمال خيرية مُنذ تأسيسها وحتى الأن قالت مدير إدارة الشركات والموارد بمُنظمة الدعوة الإسلامية د. لبنى محمد حسن لـ(الجريدة) : إنّ جُملة المشروعات في السودان بلغت الـ(5121) مشروع استفاد منها (17.778.263) مُواطن سُّوداني،هذا إضافةً لإستجابتها للكوارث الطبيعية كالمجاعة، النزوح، اللاجيئن، الفيضانات، الحروب والنزاعات المسلحة ،والجفاف والتصحر ولفتت إلى أنّ جُملة المشروعات المقدمة للطوارئ (179) مشروع استفاد مِنها (12.875.000) فرد.
تسترسل ” لبنى” قائمة المشروعات المقدمة ومِنها مشروعات المياه والبالغة (150) مشروع استفاد مِنها (3.646.480 ) مستفيد،و(124) مشروع للصحة استفاد مِنه (5.760.000)،و(161) مشروع للتعليم استفاد مِنه ( 1.223.000) مستفيد،و(2087) مشروع للإطعام استفاد مِنه (5.000.381) مستفيد،(1643) مشروع لمكافحة الفقر استفاد مِنها (1.140.500 ) فرد،كما بلغت جملة مشروعات الإصلاح التي قدمتها المنظمة (120) مشروع استفاد منها (853.400 ) فرد،وهُناك أيضاً (836) مشروع للتدريب استفاد منه (154.500) مستفيد.
*لماذا السُّودان ؟
لا يُمكن إنكار أنّ الكوادر التّي عملت بمُنظمة الدعوة الإسلامية مُنذ بداية تأسيسها،أو الكوادر التي إلتحقت بِها مُؤخراً فِي ظلْ “حُكومة الإنقاذ” لا تتبع للحركة الإسلامية، هذه معلومة لا خِلاف عليها. هكذا إبتدر الخبير الإستراتيجي د.محمد سليمان حديثه لـ(الجريدة)،”نعم” إتخذت المُنظَّمة منسوبيها مِن الذِين يدينون بالولاء للحركة الإسلامية.
وتابع : المُنظمة كانت بمثابة الـ(وَكر) للإسلاميين بداية إستلامهم الحُكم فِي السُّودان،وباتت أشبه بالمقر لهم ، والمُعين الذِي سَهل وعبد لهم الطريق وربما لهذا السبب إتخذت لجنة إزالة التمكين والفساد قرار حل مُنظمة الدعوة الإسلامية.
رغم ذلك لا يمكن غض الطرف عَن الخدمات التي قدمتها للسُّودانيين، لذلك يُمكن وصف قرار لجنة التمكين والفساد بحل المُنظمة ومُصادرة مُمتلكاتها بالمُتسرع.
مُفسراً اختيار المُنظمة السُّودان مقراً مِن بين (41) دولة إفريقية للتسامح الدِيني الذِي عُرف بِه الشعب السُّوداني،ولاشك أنّ القائمين على أمرها عقدوا عُدة اجتماعات لمُناقشة دولة المقر وإتخذوا مِن السُّودان مركزاً بعد مشاورات ودِراسات محصلتها معروفة.
*إسئلة في بريد لجنة التمكين
الأمين العام لمُنظمة الدعوة الإسلامية السفير عطا المنان بخيت فِي حوار سابق له فَند كافة الإتهامات المُوجه مِن قبل لجنة إزالة التمكين والفساد وأولها تسجيل بيان الإنقلاب بمقر المنظمة وقال : “غير صحيح،إنهم يتحدثون عن تسجيل بيان الإنقاذ في مركز إعلامي يتبع للمنظمة في حيّ الرياض،إذاً هو ليس بيان تبنته المنظمة وفتحت له أبوابها،وإنما هو مركز اعلامي ذو طبيعة تجارية كانت جهات كثيرة حتى التلفزيون السُّوداني تُنفذ فيه أعمالها،لأنه معد اعداد جيد”. ويُتابع : ” فِي حال عُرف مِن سَجل البيان بالمُنظمة ينبغي مُحاسبته هو وليس المُنظمة أجمع “.
مُشيراً إلى أن العمل الإنساني تحكمه معايير ليست السياسة مِن ضمنها،والسؤال الذي يجب أن يُطرح علينا كمنظمة هو ماذا قدمنا فِي مجال الخدمات الصحية والتعليمية؟ لا أنّ نُسأل عن بيان إنقلابي.
وتساءل “بخيت” هل العمل بالمُنظمات مُقيد بالإنتماء السياسي؟ ويتم تجريمه من فئة ضد أُخرى ؟ وما الذي يُضِير إذا كان هُناك موظفين يؤدون أعمالهم بمهنية بالرغم من إنتمائهم فكرياً لتيار مُعين دُون المساس بالعمل المؤسسي،لا تُوجد مشكلة،ولكن يُمنع أن يكون الموظف مُقصراً فِي عمله أو أن يكون ناشط سياسي أو رئيساً لحزب ما.
سلمى عبدالعزيز
صحيفة الجريدة