ذهب العديد من الناس في خوفهم من فيروس كورونا إلى ابتداع تقاليع جديدة واللجوء لطقوس غريبة، في محاولة منهم لمكافحته، ربما أبرزها كان العلاج ببول الإبل وبول البقر.
وفي الوقت الذي ينشغل فيه العالم للوصول إلى مصل أو لقاح يقي من خطر فيروس كورونا، الذي أودى بحياة أكثر من 600 ألف شخص حول العالم، وأصاب ما يزيد عن 18 مليون آخرين، ظهرت في عدد من الدول جموع من الناس تعالج «كوفيد-19» ببول الإبل والبقر.
ففي الهند أقام الاتحاد الهندوسي حفلا في مقره بنيودلهي لاحتساء بول الأبقار، وحضره 200 شخصا لاعتقادهم بأنه يقي من فيروس كورونا، وأن لبولها خصائص علاجية.
وفي إيران والعراق وبعض دول الخليج، ظهر البعض وهم يتناولون بول الإبل بحجة علاجه لفيروس كورونا، وظهر مدير الجمعية العلمية لطب الإمام الصادق في إيران، مهدي سبيلي، في فيديو وهو يشربه، مدعيا أنه يشفي من «كوفيد-19»، داعيا المواطنين لشربه.
وأشارت بعض التقارير إلى بلوغ سعر لتر بول الإبل لـ50 دولارًا أمريكيًا في العراق، وهو ما يتجاوز سعر برميل النفط بنحو 10 دولارات.
وفي مصر، يدافع البعض عن استخدام بول الإبل كعلاج للعديد من الأمراض، نظرًا لوروده في أحاديث نبوية مدونة في كتب الصحاح «البخاري ومسلم».
جدل قديم – جديد
الجدل الدائر الآن، فيما يتعلق بقدرة بول الإبل على العلاج، قديم يعود إلى الساحة مع تفشي فيروس كورونا، فهل له فعلا قدرة علاجية؟ وهل هو قادر على شفاء مرضى كورونا؟ هذا ما نحاول الإجابة عليه في السطور التالية.
في البداية، يقول البروفيسور فؤاد عودة، رئيس نقابة الأطباء من أصل أجنبي في إيطاليا ورئيس الرابطة الطبية الأوروبية الشرق أوسطية، إنه يوميا ومنذ بداية الأزمة يتصل به العديد من الأفراد للحديث عن علاج طبيعي له إثبات طبي صحي.
ويؤكد «عودة»، لـ«المصري لايت»، أن 95% من تأثير هذا العلاج يكون بسبب التجاوب النفسي له، أما الجانب الطبي فليس هناك إثبات طبي أو علمي بذلك.
شائعة خطيرة
وعن لجوء البعض لاستخدام مثل تلك الطرق لعلاج فيروس كورونا، يوضح «عودة»، عبر الهاتف من روما، أن أغلب اللقاحات فشلت لأنها لم تثبت فاعليتها، ويجب على الأطباء حث الأفراد على استخدام الأدوية المعترف بها، لأن اللجوء لأي علاج غير مثبت طبيا هو خسارة للوقت والصحة.
وعن اتجاه بعض الجماعات الهندية لفكرة العلاج ببول البقرة، يشير «عودة» إلى أن فكرة كانت مطروحة بالسابق، لأنه مثلا في الهند يعتقدون أن البقرة مقدسة وأن كل ما يخرج منها مقدس ومفيد، ولكن لا يوجد أي إثبات طبي، وهو نفس ما يحدث بالنسبة لبول الإبل الذي ثبت سابقا أنه ينقل الفيروس في حالات كثيرة، لذلك يصف البروفيسور هذه الشائعة بالخطيرة.
ويؤكد رئيس الرابطة الطبية الأوروبية الشرق أوسطية، أن الهند من أكثر الدول المصابة بفيروس كورونا بسبب هذه المعتقدات، التي ليس لها أي فائدة علاجية، وأن الموضوع فقط يقف عند الناحية النفسية: «هنا في إيطاليا وأوروبا ونحن كنقابة الأطباء الحكومية وكمسؤول عن العلاقات الخارجية.. إذا تحدث أي شخص عن هذا الموضوع أو استعمله نستدعيه للنقابة للاستفسار، لأنه أمر خطير على الإنسان، خصوصا لمرضى السرطان وقد يؤدي للوفاة».
منظمة الصحة العالمية، سبق وأن حذرت من أن شرب بول الإبل يؤدي بدرجة عالية للإصابة بفيروس متلازمة الشرق الأوسط التنفسية كورونا، ونشرت المنظمة وثيقة تتضمن أنه على الأشخاص المصابين بالسكري وأمراض الفشل الكلوي والالتهاب الرئوي تجنب الاقتراب من الإبل أو شرب حليبها مباشرة أو بولها.
الأسانيد الدينية
في ظل التحذيرات الطبية، يدافع البعض عن العلاج ببول الإبل مستندا إلى الحديث النبوي الذي ذكر فيه بول الإبل صراحة، بخلاف أن بعض علماء الأمة المسلمين أكدوا على صحته، منهم الإمام ابن القيم.
وفي هذا السياق، يوضح الدكتور عبدالغني هندي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، أن لمناقشة هذا الموضوع عدة جوانب يجب أن تكون جلية، أولها أنه ورد حديث عن سيدنا النبي، وهو حديث بني عرينة، وهو صحيح وروايته موجودة في معظم الكتب التي تلقتها الأمة بالقبول.
ويردف «هندي»، لـ«المصري لايت»، أنه العلماء لم يتفقوا بعد سيدنا النبي على مسألة جواز العلاج ببول الإبل: «علماء الحنفية ذهبوا إلي أن حكم بول الإبل كباقي الحيوانات وهو نجس ولا يجوز التداوي بما هو نجس إلا في حالة الضرورة، ولكن بعض العلماء استدلوا بهذا الحديث لإثبات أن هذا البول طاهر، لافتا إلى أن هذا الحديث يشير إلى أهمية فكرة التداوي عن طريق الفم».
ويتابع «هندي» أن كثير جدا من العلمانيين يصفون هذا الكلام بأنه جهل وتخلف، ولكن الحقيقة أن القاعدة ليست هكذا فإن علماء العرب والمسلمين كابن سينا على سبيل المثال قام بتحليل بول الإبل التي تربت بالجزيرة العربية وقال إنه قادر على التداوي من الأمراض الباطنة.
ويحسم «هندي» القضية: «في النهاية فإن الموضوع يخضع إلى ميزان العلم»، مشيرًا إلى أن مصل بعض الأمراض يخرج من أصل الفيروس، والأمر ذاته يحدث في المسك المستخلص من دم الغزال، وبالتالي فإنه من الممكن أن نستخرج من الأشياء النجسة أشياء تعالج.
ويقول: «في النهاية فإن العلاج ببول الإبل يخضع لميزان العلم، فإن وجده نافعا فبها، وإن وجده ضار فلا يصح العلاج به»، مؤكدا أن الشرع في النهاية مع العلم.
المصري لايت