البحث عن الأوكسجين… سودانيون “لا يستطيعون التنفس” في زمن كورونا

أوقف المدير العام لشركة الهواء السائل السودانية، أديب حبيب، نافذة البيع المباشر للجمهور في الأسبوع الأخير من مايو/ أيار الماضي، بسبب عدم إعادة أسطوانات الأوكسجين، وتركها في المنازل احتياطاً، خشيةً من حدوث طارئ لأحد أفراد الأسرة، مع تفشي فيروس كورونا الجديد (كوفيد – 19)، إذ رصد فقدان أكثر من 100 أسطوانة من بداية مايو/ أيار الماضي ولم تُرجَع حتى الآن، رغم أن هناك مرضى بحاجة إليها، وفق ما يؤكده حبيب، قائلاً لـ”العربي الجديد”: “إذا أتى شخص يحمل ورقة من طبيب تفيد بحاجته إلى الأوكسجين، نبيعه إياه، لكن من دون مستند يثبت الحاجة الفعلية، لا نعطيه أسطوانة”.

تعليمات حبيب لموظفيه، كررها مُلّاك مصانع آخرون، كما يقول مدير مصنع ليبرتي للأوكسجين، قاسم الشيخ لـ”العربي الجديد”، مضيفاً أن عدد المصانع في السودان يبلغ 11، منها 4 مصانع توقفت عن العمل في الوقت الحالي.

إيقاف البيع المباشر للجمهور، تزامن مع عدم توافر أجهزة توليد وتنظيم أوكسجين شاغرة في بعض مستشفيات السودان، كما حدث مع الستينية عايدة عبد الهادي، التي طرق أبناؤها أبواب 10 مستشفيات حكومية وخاصة، منها مستشفيا أم درمان الحكومي، والفضيل الخاص وسط مدينة الخرطوم، بحثاً عن جهاز، علّه يزيد من مستوى الأوكسجين في دم والدتهم التي دخلت في نوبة ربو مساء يوم الثالث من يونيو/ حزيران الماضي، كما يقول نجلها إبراهيم الحاج لـ”العربي الجديد”.

تنوعت أسباب رفض المستشفيات لاستقبال لمرضى، ومنهم السودانية عايدة، بين عدم توافر أجهزة تنظيم الأوكسجين، وعدم السماح لهم بإدخالها خشية التقاطها لعدوى كورونا، بعد ثبوت عدم إصابتها بالفيروس، بحسب إبراهيم، الذي تواصل هاتفياً مع أحد معارفه في شركة الهواء السائل، الواقعة وسط الخرطوم، لتسهيل الحصول على أسطوانة أوكسجين استثناءً، حتى لا تتدهور صحة والدته، مؤكداً أنهم اشتروا جهاز تنظيم الأوكسجين على حسابهم، لكن والدتهم توفيت في أثناء تركيبه، كما روى.

وقبل أقل من شهر على حصول عايدة على أسطوانة أوكسجين من شركة الهواء السائل، بدا سامر تاج السر، موظف التوزيع في الشركة، متعجباً بينما كان يردّ على اتصال هاتفي ورد من أحد المواطنين في بداية مايو/ أيار الماضي، يطلب منهم توفير أسطوانة أوكسجين لمريضهم بعد رفض مستشفى إبراهيم مالك التعليمي الحكومي جنوب شرق الخرطوم، استقبال المريض بحجة عدم توافر أسطوانات.

تعجب سامر، لأنه زود المستشفى بحاجته اليومية من الأسطوانات البالغ عددها 150 وحدة سعة 7 متر قبل ساعتين في ذات اليوم، كما يؤكد لـ”العربي الجديد”، قائلاً:” في ظل الأزمة الموجودة، من الصعب منح المواطنين أسطوانات الأوكسجين للاحتفاظ بها في المنازل، واكتُفي بتزويد المستشفيات فقط”.

ويقرّ الدكتور أبو بكر وداعة، نائب المدير العام لمستشفى إبراهيم مالك، برفض حالات مرضى من أمام باب الطوارئ مطلع إبريل/ نيسان الماضي، لكنه يبرر ذلك بوجود نقص في الأوكسجين، وعدم توافر الكادر الطبي ومشكلة نقل الكوادر مع الحظر الصحي، إذ لا يجد الكادر الطبي وسيلة تقله إلى المستشفى، بالإضافة إلى عدم توافر أسرّة شاغرة، علماً أن المستشفى خصص 10 أسرّة عزل للمشتبه في إصابتهم بفيروس كورونا من إجمالي 422 سريراً، كما يقول لـ”العربي الجديد”.

80% من وفيات كورونا المسجلة لدى وزارة الصحة عانوا من أمراض مزمنة

يؤيده في ذلك مدير إدارة طوارئ المستشفيات في وزارة الصحة الاتحادية، الدكتور حسام الدين الحسين، لكنه يقول لـ”العربي الجديد” إن وزارة الصحة بدأت بتركيب أجهزة توليد أوكسجين وإعادة تعبئته في الأسطوانات داخل المستشفيات الحكومية، لافتاً إلى وجوده في بعض المستشفيات الخاصة مثل “رويال كير، فضيل، ومركز القلب”.

على الرغم من وجود 7 مصانع في مدن “الخرطوم، الخرطوم بحري، وأم درمان” تزود 150 مستشفىً حكومياً وخاصاً بالأوكسجين، إلا أن الكميات التي تنتجها لا تكفي حاجة المستشفيات، وفق ما يؤكده الدكتور الحسين، بالقول: “هذه حقيقة كانت واقعة في لحظة من اللحظات، لأننا في وزارة الصحة متعاقدون مع مصنعين فقط للأوكسجين، مصنع في منطقة المقرن بالخرطوم، وشركة الهواء السائل”، مضيفاً أن أمراض الجهاز التنفسي لم تكن منتشرة بهذا الحجم، ومع ازدياد الحالات وتفاقم الإصابات بكورونا، بدأت الحاجة للأوكسجين تزيد حالياً.

400 أسطوانة تبرّعاً لمشافي السودان من نقابة الأطباء السودانيين في بريطانيا

لكن أديب حبيب، المدير العام لشركة الهواء السائل، يؤكد عدم وجود نقص في الإنتاج، لأن الشركة وفرت حاجة المستشفيات تماماً في ذروة جائحة كورونا، إذ تمتلك الشركة صهاريج تحتوي على مليون متر مكعب من الأوكسجين، تكفي حاجة السودان لمدة 6 أشهر، قائلاً: “لا يمكن أن يحدث نقص في الأوكسجين، وإن وُجد، فهو ناتج من تأخر وصول أسطوانات الأوكسجين إلى المستشفيات، لعدم توافر الوقود لسيارات التوزيع”، مشيراً إلى أن شركته كثفت من إنتاجها خلال الأزمة، إذ وصل حجم التوزيع للمستشفيات في وقت الذروة من 350 إلى 400 أسطوانة، فيما كانت تراوح بين 150 و180 أسطوانة في الأوقات العادية.

بالمقابل يقول مينا منير، المدير الطبي في مستشفى حاج الصافي التعليمي الحكومي بولاية الخرطوم، إنهم استعانوا بمنظمة صداقات الخيرية لتشغيل نظام مركزي في المستشفى لتزويدها بحاجتها من الأوكسجين، وتغطية العجز مع تزايد إصابات كورونا، مضيفاً لـ”العربي الجديد” أن نظام الأوكسجين المركزي يغذي 16 أسطوانة في قسم الطوارئ العادية.

ويحتاج مستشفى حاج الصافي أكثر من 150 أسطوانة يومياً، رغم أن الاحتياج راوح في بداية الجائحة بين 30 و40 أسطوانة تتوزع على الحضانة وأقسام الجراحة، بحسب منير، مؤكداً أن السعة السريرية لمركز العزل في المستشفى تبلغ 46 سريراً.

الأزمة الحالية تعيدها المديرة الطبية لمستشفى التميز الخاص في مدينة الخرطوم، الدكتورة غادة حسن إلى أن جائحة كورونا أكبر من البنية التحتية للدولة وإمكاناتها، وحدث هذا في دول متقدمة لم تتمكن من استيعاب الحالات خلال وباء كورونا، كما تقول.

وللتخفيف من حاجة المواطنين لأسطوانات الأوكسجين، قال مدير مصنع ليبرتي للأوكسجين، قاسم الشيخ، إنه وضع أرقام هواتفه على مواقع التواصل الاجتماعي، لمساعدة كل من يحتاج إلى أسطوانة أوكسجين، رغم أن مصنعه لا يوفّر خدمة البيع المباشر للجمهور، نظراً لتخصصه في إنتاج الأوكسجين الذي يستخدم في الورش الصناعية وآبار الذهب، لكنه يستطيع مساعدة المحتاجين للأوكسجين من خلال توفيره من مصانع الخرطوم التي تستعين به في حال حدوث عطب لأحدهم، وفق تأكيده.

ويحتفظ مصنع الشيخ بـ10 أسطوانات، حصل عليها من المصانع التي تتعامل معه، كي يقدمها لمن يطلب مساعدته، مقابل دفع 12 ألف جنيه (217 دولاراً) كتأمين لضمان إعادتها كما يقول.

حتى السادس والعشرين من يوليو/ تموز الماضي، وصل عدد الإصابات بفيروس كورونا إلى 11385 إصابة، و717 حالة وفاة، وفق التحديث اليومي المنشور في موقع جامعة جونز هوبكنز الأميركية. 80% من وفيات كورونا المسجلة لدى وزارة الصحة عانوا من أمراض مزمنة، وفق تأكيد الدكتور الحسين، قائلاً: “بعد تحليل المعلومات المرضية للوفيات، وجدنا أنهم من مرضى السكري والضغط وأمراض القلب، وكانوا يهملون تناول علاجاتهم”، مضيفاً أن الوفيات خارج طوارئ المستشفيات لا تُسجَّل.

ويوصي البروتوكول الصحي للمستشفيات بعدم استخراج شهادة وفاة لأي مريض، سواء كان مصاباً بفيروس كورونا، أو لسبب آخر، ما لم يكمل 4 ساعات في المستشفى، وما عدا ذلك لا يدخل ضمن إحصائيات الوفيات في المستشفيات، وفق ما يقول علي أحمد، مدير إداري في مستشفى الشريف الخاص بالخرطوم لـ”العربي الجديد”.

لتغطية النقص في عدد أسطوانات الأوكسجين في السودان، تبرعت نقابة الأطباء السودانيين في بريطانيا، بـ 400 أسطوانة بتكلفة 53 ألف جنيه إسترليني (67469 دولاراً أميركياً)، وفق إفادة الدكتورة سارة عبد الجليل، مسؤولة النقابة، مؤكدة لـ”العربي الجديد” أن الجالية السودانية شاركت في تلك التبرعات، بالتعاون مع تجمّع المهندسين الطبيين السودانيين في بريطانيا.

ووُضعَت تلك الاسطوانات تحت تصرف وزارة الصحة السودانية، على أن يجري التوزيع وفق الحاجة، وخاصة في الولايات البعيدة، وسيكون الإشراف من قبل النقابة ومتابعة توزيع الأسطوانات التي شُحنَت إلى مطار الخرطوم على نفقة منظمة اليونيسف، كما تضيف لـ”العربي الجديد”، موضحة أنهم أرسلوا 59 ألف جنيه إسترليني (75118 دولاراً) تبرعاً لمستشفى القضارف الحكومي، شرقيّ السودان، من أجل إنشاء محطة لتوليد الأوكسجين. وتقدمت نقابة الأطباء السودانية في بريطانيا، بطلب منحة مالية بقيمة 50 ألف جنيه إسترليني (63660 دولاراً) من برنامج الدعم التنموي البريطاني، لإنشاء محطة توليد الأوكسجين ونظام تعبئة أسطوانات الأوكسجين وشبكة أنابيب مكملة في مستشفى الفاشر المرجعي بولاية شمال دارفور الذي يخدم 3 ملايين نسمة، منهم 64 ألف نازح، ولا يزالون بانتظار الرد، بحسب الدكتورة سارة، معلنة فتح باب التبرع للمشروع الذي ترعاه نقابتها بالتعاون مع جمعية المهندسين الطبيين السودانيين في بريطانيا، والأطباء والمهندسين في مستشفى الفاشر التعليمي شمالي إقليم دارفور، الواقع غربي السودان، مؤكدة أن إجمالي تكلفة المشروع 85 ألف جنيه إسترليني (108 آلاف دولار).

العربي الجديد

Exit mobile version