تسليم وتسلم

سباق التتابع .. سباق يشترك فيه مجموعة من الرياضيين يجب عليهم قطع مسافة محددة ..يقتسمونها فيما بينهم ..كل منهم يجري امتارا محسوبة حاملا معه عصا صغيرة .عليه تسليمها لزميله الذي ينتظره في نهاية مسيرة الأول ليبدا الثاني بدوره مشواره وهكذا دواليك حتى آخرهم الذي يصل الى خط النهاية.
كل رياضي عندما يقرر المشاركة في سباق التتابع ..لا يكون همه استلام العصا او المنطقة التي يقف عندها للتسليم والتسلم ..لكن يصب جل تفكيره في كيفية قطع المسافة ودراسة الطريق ومدى وعورته وكيف يستطيع تفادي الحفر والمطبات ..هذا هو المهم ..لكن موضوع استلام العصا ..لن يستغرق اكثر من ثانية يمدها ذاك ويستلمها الثاني.
حكينا القصة اعلاه ..لانني استمعت لخطاب اكثر من والي استلم عصا التتابع وهم ببدء السباق ..كانت خطاباتهم نضالية وهتافية ولابد طبعا من ذكر الموضوع المفضل وهو( ازالة التمكين) ..ومن ثم يعلوالهتاف و(هايل هايل) ..والحقيقة ان ازالة التمكين شئ متفق عليه ولا يحتاج للمزايدة ..لكن فكرة ان يكون هو الغاية وليس الوسيلة ..هذا ما قصدناه بالتفكير في استلام العصا دون دراسة الطريق ..فالمعروف بالضرورة ان النظام البائد كان قد وزع كوادره في كل مفاصل الدولة الحيوية ..ولم يترك ركنا لم يزرع فيها عينا او اذنا له ..هل من الحكمة احالتهم للمعاش دون ايجاد البديل او حتى تدريب البعض للاحلال والابدال ؟ ..طبعا هناك من سيأتي ليقول لي ان (الكيزان ) فعلوا ذات الشئ عند استلامهم السلطة في 89 ..والرد جاهز ..ان الجبهة الاسلامية خططت للانقلاب منذ امد بعيد ..وباعترافهم ..انهم كانوا حريصين على توزيع الكوادر في الجيش ومؤسسات الدولة الحيوية قبل سنوات حتى اذا اتت ساعة الصفر كان لهم في كل ركن شخص ..وقد كان…اما نحن فقد اتفقنا على شعار (تسقط بس) ..وعندما سقطت تفرقت بنا السبل والآراء والاهواء ..ذلك اننا لم نخطط لما بعد السقوط ولم ندرس وعورة الطريق بعد استلام عصا السباق.
مثال آخر ..الزعيم جمال عبد الناصر عندما قرر تأميم قناة السويس لم يفعل ذلك بين عشية وضحاها ..بل اختار مجموعة من المهندسين الذين يثق في وطنيتهم ..افصح لهم عن فكرته السرية وطلب منهم جمع كل المعلومات الهامة والتي تخص القناة والتي عبرها يمكن تشغيل القناة بعد تاميمها وطرد المهندسين الفرنسيين والانجليز الذين كانوا يملكون اسرار التشغيل ..عبد الناصر انتظر اشارة التمام من هؤلاء بأنهم على اهبة الاستعداد للتشغيل ..وحينها قال خطابه المشهور والذي اعلن فيه تأميم قناة السويس وعودتها للسيادة المصرية…
تفاصيل قولي والمجمل ….ادرسوا امر كل مؤسسة على حدة ..كونوا لجان للاحلال والابدال ولا تستعجلوا احالة الذين يملكون مفاتيح العمل قبل ان ينقلوا خبرتهم للقادمين الجدد ..كل ما تحدث مصيبة يقال لك انها الدولة العميقة ..وربما كان الامر صحيحا ..لكن هذا العمق اتى عبر تمكين ثلاثين عاما ..فلن يكون سهلا اقتلاعه خلال أشهر قلائل ..لذلك من الأفضل (ردم ) كل حفرة حدة ..شيئا فشيئا ..ستختفي المطبات ..وتستوي الأرض وتصبح ارض السباق ممهدة ..وعندما نصل الى خط النهاية اكيد سنحتفل بحصولنا على المركز الاول.
الجريدة

هنادي الصديق

Exit mobile version