لا توجد حكومة أجمع الناس حكاماً ومعارضين على فشلها كحكومة حمدوك التي اعترفت كل أحزابها بفشلها، المؤتمر السوداني والحزب الشيوعي وتجمع المهنيين والصادق المهدي، ونائب رئيس السيادي يقول (فشلنا فشلاً ذريعاً) و(جينا نكحلها عميناها) والشفيع خضر يتحدث عن المنحة في طي محنة الكورونا التي أجلت مؤقتاً سقوط الحكومة.. وحمدوك نفسه قال (لم ننجح) وكان اعترافه بالفشل أكثر فصاحةً عندما أقال ثلث الحكومة .
ومع كل ذلك لا توجد حكومة تلقت كمية من الشكر كما تلقته حكومتنا الفاشلة، فالطريق نحو الفشل الكارثي المشهود كان مرصوفاً بالتشكرات من كل صنف ولون، فبجانب شكراً حمدوك التي أغرقت مواقع التواصل الإجتماعي وكانت لازمة للمنشورات، كانت أيضاً موجودة بالمقال، والشعر، والرباعيات والدوبيت، والغناء، والكاريكاتير، والفيديو .. إلخ
حتى حمدوك نفسه كان ملاحظته الوحيدة على حملات الشكر هي رغبته في أن تشمل حكومته كلها لا شخصه فقط، فالأعمال العظيمة المستحقة للشكر هذه هي نتاج عمل جماعي، وهو في إطار حرصه على ترسيخ المؤسسية يرى أن المؤسسات هي الأولى بالشكر. وكان تصريحه هذا سبباً لمزيد من الشكر له على “تواضعه”! رغم أن المتمعن فيه لا يرى فيه إلا تواضعاً دعائياً كاذباً من النوع الساذج الرخيص لأنه يحتوي على التسليم بأن هناك فعلاً ما يستحق الشكر، وأنه كثير ومتنوع ويقف وراءه رجال كثر ومؤسسات كلهم يستحق أن يُشكَر! وفي ذلك ما يناقض التواضع لأنه يرفع نجاحه من نجاح جزئي خاص بشخصه إلى نجاح شامل يتعدى شخصه ويشمل كل المنظومة التي تعمل تحت إدارته والتي أقال ثلثها مؤخراً بسبب الفشل الذريع!!.
تجاور الفشل الكبير مع حملات الشكر الكبرى يعطي فكرة جيدة عن ما اصطلح الناس على تسميته ب( السواقة بالخلا)، ويفسر لماذا وجدت كلمات من نوع القطيع والعلف طريقها إلى قلب أدبيات السياسة لتكون كلمات مفتاحية في زمان القحط هذا. ويذكرنا بالحملات الدعائية في الأنظمة الشمولية الشيوعية والبعثية أكثر من تذكيره بالحملات الإعلامية الراشدة في الأنظمة الديمقراطية.
ينبغي الاعتراف بأن زيادة معدل الفشل مع الأيام أدت تدريجياً إلى تضاؤل حملات الشكر وأصبح الشكر يتدثر بكلمات أقل بجاحةً، ولم يعد هناك من يجرؤ على كتابة شكراً حمدوك .. ويمكن ملاحظة أن قرارات الخمور والدعارة والردة والأزياء والمواد الفاضحة لم تُقابَل بحملات شكر تُذكر، فلا المسيحيين أصدروا بيانات التأييد والشكر لقرار إباحة الخمور لهم، ولا يوجد من بينهم من أعلن عن سروره بنظرة الحكومة لهم كسكرجية ظلوا محرومين ل ٣٠ سنة من حرية السكر !، ولا الشفاتة والسانات فعلوا ذلك … وقد اقتصر الشكر على المرتدين والملحدين والمثليين وبعض غلاة العلمانيين. وهذا يدل على أن الأعلاف مهما كانت نوعيتها لا تكفي للتغطية على الفشل ولتسويق القرارات القبيحة، وأن الوعي العام بخير رغم محاولات تغبيشه وتقزيمه ليناسب أغراض الصغار المتمكنين.
شكراً حمدوك.. فقد ساهمت حملات شكرك على فشلك في تثقيفنا وتعريفنا بمفهوم (السواقة بالخلا)، وأعطتنا فكرة عن سياسة القطيع وأنواع الأعلاف، وأرتنا كيف تكون الدعاية في الأنظمة الشمولية الشيوعية والبعثية عندما تتمسح بالديمقراطية وترى أن أزهى أيامها هي أيام الانتقال التي يجب أن تطول .
إبراهيم عثمان