-١- انتبه دكتور عبد اللطيف البوني لمفارقة رقمية ادلى بها الباشمهندس خيري عبد الرحمن وزير الطاقةالمكلف.
الوزير المكلف قال في ندوة تلفزيونية:( السودان وقع اتفاقية مع أثيوبيا على شراء 3000 ميغاوات من الكهرباء بسعر تفضيلي، وهناك 1000 ميغاوات أخرى سيتم الاتفاق عليها)!
المفارقة التي رصدها بروف البوني، عبر نظارته سميكة العدسات، جاءت من سعة الاختلاف بين ما قاله الوزير المكلف والوزير المقال.
حيث أورد البوني لوزير الطاقة السابق الباشمهندس عادل علي ابراهيم في 6يونيوالماضي أنه قال :(الكهرباء التي تأتيتنا من اثيوبيا مقدارها مائة ميغاوات نسعى لشراء مائة أخرى لتصبح الكمية مائتين)!
اعتبر البوني ما ذكره الوزير المكلف زلة لسان، أو ربما تشابهت عليه الارقام فأضاف صفرا للرقم الحقيقي على سبيل السهو.
-٢-
في المؤتمر الصحفي الاخير لرئيس الوزراء دكتور عبد الله حمدوك، لاحظت غياب الارقام.
كان معظم الحديث ومدار اسئلة الصحفيين عن الاقتصاد، رغم ذلك خلا المؤتمر من الارقام!
الرقم الوحيد الذي اذكره، كان عن توفير مليار دولار عبر المحفظة الجديدة!
وإلى هذه اللحظة لا يوجد أثر لهذا المبلغ ،لا على الوضع الصحي للجنيه ولا بتوفير السلع الضرورية ، ولاتوجد تفاصيل متعلقة به!
-٣-
كثيرا ما كتبت في هذه المساحة عن عدم الحساسية في التعامل مع الأرقام، أو العبث بها لتحقيق مكاسب ما، أو لتسجيل انتصارات لحظية مثلجة.
في حوارٍ صحفيّ لي مع الراحل الشيخ حسن الترابي، قبل سنواتٍ ، سألته عن رأيهِ في قياديٍّ كان وقتها من أُولي الطول في الحكومة.
قال عنه الترابي: “كان يخدعنا بالتقارير المزيفة والمعلومات غير الصحيحة عن عدد عضوية الحزب بين الشباب والطلاب ونسب الاستقطاب”.
-٤-
في منزل السفير علي يوسف، في واحدةٍ من مناسباته الاجتماعية بداره العامر، كان رجل أعمالٍ معروف يتحدث عن تجارب مريرة مع المعلومات المضروبة أو غير الدقيقة.
ذكر تجربةً له مع الاستثمار الزراعي في واحدة من الولايات؛ الأوراق الرسمية تؤكد بالخرائط أن المساحةالصالحة للزراعة مائة ألف فدان.
عندما شرع رجل الأعمال في بداية العمل مستعيناً بخبرات أجنبية، اكتشف أن المساحة الصالحة للزراعة لاتتجاوز العشرين ألف فدانٍ فقط!
فَسَّر رجل الأعمال الأمر بأن كل مسؤول يرفع إلى رئيسه معلومات مُضخَّمة حتى يُثبت جدارته بالموقع أو أنه فأل خير على الحكومة!.
-٥-
قبل سنوات، ذكر وزير تجارة من حزب مشارك للمؤتمر الوطني، أن جملة صادرات البلاد من الصمغ العربي بلغت ثلاثة مليارات دولار خلال ثلاثة أشهرٍ فقط!
قبل مغادرته الموقع بأسابيع، صرَّح وزير معادن سابق أن الحكومة الأسترالية قدَّمت عرضاً استثماريَّاً للسودان بـ11 مليار دولار منها 7 مليارات وديعة نقدية!
أما الوزير الذي كان قبله فقد جاء بشركة روسية وعدت بتقديم 5 مليارات دولار للحكومة السودانية على ضمان الذهب!
-٦-
القاسم المشترك بين كل تلك الروايات واحد من اثنين؛ عدم صحة الأرقام والمعلومات أو عدم دقتها.
إلى الآن لا تستطيع أن تعتمد أرقاماً متفقاً عليها في تحديد نسب التضخم، ولا نسب الفقر والعطالة.
ولا حجم المساحة المزروعة، ولا عائد الصادر.
لا توجد أرقام فوق مستوى الشبهات و الاختلاف، كل رقم له ما يقابله، يقترب منه أو يبتعد.
والتباين الرقمي هذا يتجلى بوضوح في عرض الأرقام المعطونة في ماء السياسة، التي يرسلها بعضهمضرب عشواء لتضخيم الإنجازات، وللصعود من فوقها.
ولعبة الأرقام هذه يجيدها البعض، ويُخفق فيها كثيرون.
في المسيرات والتظاهرات، تجد من يتحدث عن حشود تقارب العشرة آلاف، ويتضاعف الرقم في مرات على ألسنة أخرى ليصل إلى مئات الآلاف.
في استقبال الراحل الدكتور جون قرنق، كان تقدير أجهزة الإعلام العالمية للحشود بمليون شخص،والحكومة قدرت العدد بـ500 ألف، أما جون قرنق نفسه فقد رفع العدد إلى 6 ملايين!.
معظم الأرقام والنسب التي تنقلها أجهزة الإعلام في تصريحات السياسيين، تمر على الآذان دون أن تخضع للفحص والتمحيص.
-٧-
تُوجد ثقافةٌ ديوانيةٌ متوارثةٌ في أجهزة الحكم تقوم على خداع المسؤولين بالمعلومات والأرقام غيرالصحيحة.
قد يكون الدَّافعُ لذلك تحايُلِيّاً، لغرض مُتعلِّقٍ بالفساد، ولكن في الغالب هو نتاج كسلٍ روتينيٍّ راسخ في تلك المؤسسات، وعجزٍ عن التحقق من صحة المعلومات والأرقام.
السببُ الأساسيُّ الذي أدَّى لتلك العاهة المُزمنة، والقصور الدائم في أداء المؤسسات العامة، هو عدم وجودجهات فنية ذات اختصاصٍ وكفاءةٍ عالية، دورها وصلاحياتها التحقُّق من صحة المعلومات والأرقام والنِسَبالتي تَرِدُ في التقارير الرسمية، عبر وسائل علميَّة حديثة ومُواكبة لا تقليدية ومُتَسيِّبة.
-٧-
لا نبرِّئ أنفسنا في مهنة الصحافة، نحن كذلك نعاني من مشكلة مزمنة مُتعلِّقة بعدم وجود حساسيَّة تَدقِيقيَّةفي التعامل مع الأرقام.
أذكر في أيام عملي بالعزيزة (الرأي العام)، كان نظام جمع المواد على أجهزة الكومبيوتر، يقلب الأرقام رأس اًعلى عقب، فإذا بالرقم 52 يتحول إلى 25، و85 إلى 58!.
ورغم الفارق بين الأرقام، لا تجد من يصحح أو يعترض أو يحتج، إلا في مرة واحدة احتجت أسرة أحد طلاب امتحانات الشهادة السودانية، إذ تمت تهنئة ابنهم الذي أحرز نسبة 81%، باعتباره أحرز نسبة 18%!.
ضياء الدين بلال