الواقع السياسي: إشعال الحرائق!

(١)تبدو الوقائع الآن أكثر وضوحا، التعقيدات الكثيفة تكشف مسار الأحداث، والحمولة السياسية المثقلة تتفتت الآن!
من بين الأحداث الكثيرة نشير لسحب تجمع المهنيين السودانيين إعترافه من (هياكل) قوى الحرية والتغيير، مع الإحتفاظ بموقعه (توقيع الميثاق) ، َويتقدم خطوة بعد أن تم توقيع إعلان سياسي مع حركة (الحلو)! وتم تحميل ١٤ بندا، أهمها فصل الدين عن الدولة، والفصيل النقابي تحول إلى فصيل سياسي، ومن بين كل البنود لم يكن واحدا منها يتحدث عن ضروريات معيشية أو إجراء إنتخابات!
ويستدعينا ذلك أن نراجع المشهد بهدؤ :
* اختطفت مجموعة صغيرة د. حمدوك وحكومه ، وتقاصرت قبضة بعض القوى السياسية عن الحكومة وتوجهاتها ، لدرجة إعفاء (د. أكرم) أيقونة الحزب الشيوعي.
* انسحب الإمام الصادق المهدي من قوى التغيير وبدأ في تأسيس تحالف جديد وفق رؤية العقد الإجتماعي، بل توسع في علاقات خارجية وتحالفات قد تزيد تأثيره في الساحة الداخلية، مع خطورة دعوته المستمرة لإجراء الإنتخابات.
* تعاظم الخلاف مع قوي سياسية ذات توجهات قومية (البعث والناصري بتفرعاتهم) مع ضجر قوي سياسية أخرى.
* فشل الحكومة الإنتقالية في حل قضايا الناس، والأزمات المعيشية، مما خلق رايا عاما سالبا، وتراجع الزخم الشعبي.
ولأن الحزب الشيوعي احد القوى السياسية التي تقرأ الواقع السياسي وتفاصيله فهو يدرك هذه الحقائق وقد جهر خبراء الحزب بآرائهم حول سياسات الحكومة الإقتصادية ووجهوا نقدا مستمرا لخياراتها، وعرفوا أكثر من ذلك أبعادا أخرى، *وأولها* أن مرحلة الفرز السياسي قادمة بعد توقيع السلام ودخول فعاليات جديدة ، قد يحتاج بعضها حاضنة سياسية، كما تحقق شرط وجود مظلة مسلحة لهذه القوى و يعطي ذلك مشروعية لبعض الحركات المسلحة لتبني مواقف سياسية مثل أبعاد الدين عن الحياة، وهو الطلب الذي عاني الحلو في تسويقه خلال مباحثات جوبا!
*ثانيا* قوة رد الفعل الشعبي على أي توجهات تمس ثوابت الدين والقيم الإجتماعية، وقد أضطر احد خبراء الحزب الشيوعي لحذف تغريدة عن الحجاب، كما أن الغضب الشعبي يتمدد من التعديلات القانونية مما يؤكد صعوبة عملية غسل الدماغ التي ظن الحزب أنه انجزها، وظن أن (دردشات) القروبات كافية لبناء وتأسيس رأي عام، أن مواقع التواصل الإجتماعي تخلق احيانا واقعا (إفتراضيا) خادعا.
*ثالثا* مرحلة إنجاز الملفات الأكثر صعوبة وهي إعادة هيكلة ( *القوات المسلحة والأجهزة الأمنية*) و ( *إعلان نتائج لجنة أديب*) و تحركات في مجتمع الأوربي ضد الدعم السريع، وتتطلب أكثر من الإسناد السياسي، فلابد من رافعة أخرى وهي هنا (قوات اليوناميس) وربما بعض الحركات المسلحة.
وإنطلاقا من هذه الإشارات كان من الضروري ترتيب مخارج جديدة، والخيارات محدودة،
١. تسريع الإنتقال السياسي، وإجراء انتخابات مبكرة، تعيد ترتيب المشهد وهذا خيار مستبعد لليسار محدود القواعد الشعبية، بل إنه يسعى لتعطيل هذا الخيار وتناسيه تماما.
٢. الخيار الثاني، إنقلاب عسكري، شبيه بإنقلاب الرائد هاشم العطا ١٩٧١م، باسم تصحيح المسار، وهذا خيار لم تتوفر شروطه المحلية والإقليمية.
٣. خيار ثالث، تمديد الفترة الإنتقالية، وإعادة بناء التحالفات السياسية، وهذا ما يجري الآن وهو الخيار الراجح، ولكن تنفيذه يتطلب ترتيبات أخرى.
(٢)
واول تلك التراتيب خلق حالة من (إنسداد الأفق السياسي) و (إنهاك كل الأطراف).
وتبدو هذه الحقائق جلية الآن، وكل ما نشهده هو إشعال الحرائق السياسية في كل مكان، ومع استصحاب السهام الموجهة للنظام السابق وقياداته ومشروعه ، فقد صمم لذلك قانون ولجنة ونيابة وقضاة ولجان ومفردات سياسية وهنا نركز على قوي التغيير و بنية الحكومة الإنتقالية واطرافها، وابرز المظاهر:
* عمليات الإغتيال المعنوي والسياسي لكل الشخصيات والقوى السياسية، ابتداءً من د. حمدوك او التسريبات الخاصة والوثائق والهجوم المتواصل لإبرازه كشخص ضعيف وأقل من مقام الثورة، ونال الإمام الصادق المهدي قسطا من جور هذه الحملة وامتدت لأطراف أخرى ولعل تسريبات (شلة المزرعة) و (شلة الكشتينة) وغيرها هي جزء من عملية الإصطياد من داخل الصندوق، وقس على ذلك مهاجمة وزراء مثل مدني وآخرين.
* الإجهاز على (أيقونة) الحراك ورمزه (تجمع المهنيين السودانيين) وتمزيقه واستخدام الاشلاء في (حياكة) مناديل يلوح بها مع الحلو وسحب البساط من الجبهة الثورية ومساراتها والدخول في معادلة جديدة وحتى د.ناجي الأصم تم إزاحته بليل دون أن ترمش لهم عين، وتم التنكر للكثير من القيادات وبدات حملة (النهش).
* إشعال الأزمات والحرائق، وربما نحتاج لمقدار من (البصارة) لتفسير ما يجري في الشرق، لماذا هذا الترشيح في منطقة ذات بناء إجتماعي شديد الحساسية، وقبل ذلك كنا نتساءل عن حادثة محاولة إغتيال د. حمدوك، ومحاولات جر القوى الوطنية والإسلامية لدائرة العنف من خلال إستفزازات وتهجم على قيادات وتسريب أجندة، وكل تلك ملامح لتفجير الوضع.
* الحملة العنيفة ضد المؤسسات العسكرية ونخص هنا *الجيش*، إن أي تحالفات جديدة لابد أن يراعي دور القوات المسلحة، والخيار الراهن (التفكيك)، ليس التطوير او بناء القدرات او التأهيل، وإنما (التفكيك)!
إن هذا الحريق لم يطال الواقع السياسي الراهن فحسب، بل أمتد للمستقبل وهو يستبعد إجراء أي إنتخابات ترد الأمر للشعب، وإنما تسعى لمصادرة هذا الحق من خلال تطاول الفترة الإنتقالية وإحداث قلاقل مستمرة توهن قدرة الدولة ومؤسساتها والدخول في دوامة التنازع والشقاق.
إن جبهة وطنية تبدو الآن أكثر ضرورة لحفظ كيان الوطن ووحدته وضمان إستقراره وتفوت الفرصة على هذه الأجندة الخبيثة. والله المستعان

د. إبراهيم الصديق على

الأحد ٢٦ يوليو ٢٠٢٠م

Exit mobile version