ترقُّبٌ كبيرٌ وحذرٌ يشُوبه شئٌ من عدم الرضاء، وآمال عراض، كانت حاضرة لدى الشعب السوداني وهم أمام شاشات التلفاز وعبر الوسائط، يتابعون خطاب وتصريحات رئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك، التي أدلى بها خلال إعلانه أسماء المكلفين بإدارة الولايات، حيث أكّد حمدوك أنّ تعيين المدنيين هو المدخل الصحيح لبداية التغيير في الولايات، لافتًا إلى أن اختيار الأسماء التي استقر الأمر عليها جاء وفق معايير الكفاءة والنزاهة والمسؤولية، نافياً في الوقت ذاته ما تردد بشأن وجود تدخلات من هنا أو هناك في عملية الاختيار، غير أنه في الوقت ذاته أوضح أن القرارات جاءت بالتشاوُر مع قوى الحرية والتغيير ومع المُكوِّنات الاجتماعية في أي ولاية، بهدف الوصول إلى أفضل الشخصيات من بين الأسماء المرشحة، ولكن بعض تلك الولايات وإن لم يكن أصابها التذمر والاستياء في طريقة ترشيح الولاة، سيما أن قوى إعلان الحرية والتغيير في بعض الولايات لم تفتح الباب أمام الترشيحات بصورة واضحة، فضلاً عن ان بعض الولاة الذين تم ترشيحهم ليست لديهم خليفة سياسية سوى أنهم اكاديميون بصورة بحتة، بينما أمر تلك الولايات يحتاج إلى حنكة سياسية يتم العبور من خلالها لأهداف الثورة والمدنية، عليه يظل الرهان على نجاح الولاة الجدد بين أمرين.. أهم سياسيون أم اكاديميون؟
والي سنار
الماحي محمد سليمان القيادي بقوى الحرية التغيير، والذي ينتمي لحزب المؤتمر السوداني، شغل موقع الأمين السياسي قبل ان يستقيل منه مؤخراً، عضو المجلس المركزي بالمؤتمر السوداني، ظل يعمل أستاذاً للفيزياء والرياضيات بمدرسة أبو بكر للثانوية النموذجية بسنار حتى العام 2006م، لديه علاقات مميزة مع فئات الولاية خاصة المزارعين، وهو ما أهله ليكون في منصب الوالي وسط ترحيبٍ كبيرٍ من أبناء الولاية.
والي البحر الأحمر
تخرج في جامعة الخرطوم كلية الزراعة بالإضافة لمكننة زراعية قسم الهندسة الزراعية، ونال درجة الماجستير في جامعة نبراسكا بالولايات المتحدة الأمريكية ثم جامعة تكساس معهد محاصيل الحبوب والطحن، ثم إدارة الهندسة الزراعية بوزارة الزراعة الاتحادية، ثم عمل برئاسة البنك الزراعي الخرطوم، ومدير وحدة حصاد الدلنج، وادارة التخطيط والمتابعة برئاسة البنك الزراعي وورشة الآلات الزراعية بالخرطوم بحري، ثم صوامع الغلال ببورتسودان، ومن الملاحظ انه من بين كل تلك المهام وهي جزء من كثير لا تتخللها أية تجربة سياسية حقيقية، يستطيع من خلالها والي البحر الأحمر الاستناد عليها، سيما وأن صميم عمل الولاة سياسيٌّ في المقام الأول.
والي شمال كردفان
تعيين الأستاذ خالد مصطفى صاحب ومدير مدارس (الأستاذ) والياً للولاية أمر صاحبته بعض الآراء، حيث أوضح عدد من المواطنين لـ(الصيحة) أن خالد مصطفى هو أستاذ أكاديمي، ولكن يظل النجاح لقيادة الولاية أمراً يحتاج الى حنكة سياسية قبل الاكاديميات، فأستاذ خالد لم يكن سياسياً معروفاً لأهل الولاية ولا اجتماعياً أو سياسياً، بل عرفناه من خلال ترشيحه لمنصب الوالي من خلال الأسافير والوسائط، ولكن ادارة الولاية تحتاج الى حنكة سياسية ومُمارسة وخبرة كبيرة، بينما يرى البعض من ابناء شمال كردفان ان خالد كانت لديه بعض الإخفاقات نتيجة لعدم التجربة السياسية، فهو المسؤول عن ملف الخبز والوقود بمدينة الأبيض، بينما عانى الكل من أزمة الخبز وصفوف الوقود حتى وصل سعر (الرغيفة) 7 جنيهات، مُشيرين الى أن الأبيض هي المدينة الاولى التي ثنت عملية الخبز التجاري وتحديد سعر الرغيفة بأربعة جنيهات ذات اوزان مخجلة سيما رداءة الدقيق المُستخدم!
المختص في التخطيط الاستراتيجي الضي خليفة ابراهيم قال لـ(الصيحة)، إن المعرفة الأكاديمية وحدها غير كفيلة لتحقيق النجاح، وإنما الحنكة السياسية مطلوبة، سيما وان الواقع بين الأكاديميات والسياسة مختلف تماماً في ظل الوضع الذي يعيشه السودان حالياً، واضاف ان المشكلة الاساسية التي وقعت فيها حكومة الفترة الانتقالية هي ان معظم وزرائها اكاديميون وليس سياسيين، مبيناً ان عددا من الملفات الوزارية تحتاج للتجارب السياسية وليس الشهادات الاكاديمية، واشار الضي الى ان ولاة الولايات المدنيين الذين تم تعيينهم مؤخراً يحتاجون لتجربة سياسية وليس شهادات اكاديمية بالرغم من اهميتها، ولكنها ليس معيارا للنجاح، خاصة وان البعض ينادي بتحقيق شعارات الثورة التي تحتاج للحنكة السياسية، وأكد الضي أن الحكومة الانتقالية حتى اللحظة لم تنجز أي نجاح لوجود فرق واضح بين الواقع السياسي والأكاديمي، إذ يمكن للشخص أن ينال مجموعة من الشهادات ولكن كواقع سياسي لا يملك شيئاً ويغرد في سرب آخر وهو ما خلق تصادما بين متطلبات الشارع ومشاريع الانتقالية التي تنظر لما بعد الانتقالية، بينما الناس يحتاجون لقُوت اليوم، وهذا بالتحديد يؤكد ويفتح الباب أمام جملة من الانتقادات للحاضنة السياسية بأنها لا تمتلك مشروعا حقيقياً وبرامج واقعية.
المحاصصة
الأمين الإعلامي لحركة (مناوي) محمد حسن (اوباما) قال لـ(الصيحة)، إن الطريقة التي تم بها اختيار الولاة، هي ذات الطريقة التي تم اتباعها في تشكيل (المكون المدني) بالمجلس السيادي، مضيفاً أنها طريقة للمحاصصة الحزبية وهذا يعني مزيداً من الفشل في الأداء وانعدام الأمل في النجاح، مشيراً الى انه من المؤسف هذا الصمت وتجاوز السؤال المنطقي (لماذا تسمح الحكومة بهذا العبث المُشين)؟ قائلاً: على قحت ترك (التشويش) الذي يُعيق نجاح الفترة الانتقالية، وعلى الحكومة عدم الانصياع لما تقوم به حاضنتها (الوهمية) من أجل تمكين ذاتها وفقاً لهوى البعض من أفرادها الذين لا هموم لهم سوى مصالحهم حتى لو كان ثمن ذلك فناء الوطن والمواطن، الذي بات لا حول ولا قوة له بسبب السياسات الخاطئة وهو يعاني مرارات سوء الإدارة، مشدداً أن السبب الرئيسي وراء ضياع ثورة أكتوبر وأبريل هو اختيار المحاصصة كبديل للمعالجة الجذرية والنتيجة هي قيام ثورات عديدة تلتها وما زالت مستمرة حتى بعد ثورة ديسمبر التي أصبحت على حافة الضياع، مؤكداً أن الثورة مستمرة وشعاراتها ستكون مرفوعة في الأُفق إلى أن يتم تحقيقها ويعم الأمن والاستقرار والسلام ربوع الوطن وتطال العدالة كل المجرمين الذي ارتكبوا الجُرم المُبين في حق هذا الشعب وترابه.
شأنٌ سياسيٌّ
الأستاذ والخبير السياسي بروفيسور الفاتح محجوب قال لـ(الصيحة)، إن مناصب ولاة الولايات هو شأنٌ سياسيٌّ وليس أكاديمياً باستثناء أمين أمانة الحكومة في كل ولاية هو بمثابة رئيس مجلس الوزراء في الولاية المعنية، مضيفاً أن الولاة الذين تم تعيينهم لن يستطيعوا أن يقدموا ما هو جديد في ظل الظروف الحالية، وأشار الفاتح أن ما يستطيع ان يقوم به الولاة في ولاياتهم هو محاولة تقليل الأزمة والمشاكل الاقتصادية ومحاولة معالجتها، أما ما يتعلق بالتنمية فلن يستطعوا أن يأتوا بجديدٍ، سيما وأن الدولة تواجه بعجزٍ كبيرٍ في المُوازنة العامة، موضحاً أن الدفعيات التي تقدم للولايات محددة وهو ما يُحد من قدرات أولئك الولاة من التحرك، وأكد الفاتح أن المنطقة الوحيدة التي تسمح بتحرك هؤلاء الولاة هو مزيد من فرض الرسوم والجبايات على المُنتجات المحلية والمتجهة للصادر وهو ما تم منعه من جانب الحكومة مؤخراً، فضلاً عن ان مصادر الدخل جميعها في الولايات هي مِلْكٌ للحكومة الاتحادية التي سيطرت على الجمارك ومصادر الشركات ولم يتبقَ إلا ضرائب الدخل الشخصي، عليه فإنه لا ينتظر من الولاة إحداث شيء يذكر سوى الدور المحصور في الشأن السياسي وحفظ الامن مما ينعكس على عدم قدرة الولاة في احداث جديد بتلك الولايات.
بينما رفضت بعض التيارات والتجمُّعات بولاية بورتسودان تعيين عبد الله شنقراي أوهاج حمد والياً على البحر الأحمر، وقالت تلك التجمعات إنَّ ما تم من تعيين سيكون خطوة لتأجيج نار الفتنة والصراع بين مكونات الولاية، مشددة ان اللجان التي تعمل على اختيار الولاة هي من تسعى لزعزعة استقرار ولاية البحر الأحمر وقد قدموا المصالح الحزبية والشخصية على مصلحة البلاد، موضحين أن اختيار شخصية لا تتمتع بقبول ورضاء أهالي الولاية تمثل خطوة خطيرة وتتجه نحو كارثة سيما في ظل الأوضاع التي تمر بها ولاية البحر الأحمر، موجهين رسالة لرئيس الوزراء بعدم تجاهل صوت الحراك الشعبي بالبحر الأحمر في ظل انعدام الحلول السياسية، بينما اختيار الأكاديميين من أصحاب التجارب العلمية دُون الإلمام بالعمل السياسي ستكون له نتائج عكسية في المُستقبل من التجاذُبات والتناحُرات والاتّهامات، التي أصبحت السِّمة الرئيسة السائدة..!
تقرير- النذير دفع الله
صحيفة الصيحة