(يعاودك حنين طول السنين.. تتمنى تاني تزورا مرة).. هكذا لسان حالها وعلى مرتع ناصع الروعة ترقد المنطقة الساحرة التي تنام وتصحو على وخز الندى، ويرافق ساعاتها الطل والغيم، وتزهر فيها القيم دفاقة تنساب على طرقاتها، وتصافحك ابتسامات أهلها في كل خطوة تخطوها على ضفاف نيرتتي غرب جبل مرة، ما من منظر تراه عيناك إلا وجاذبها الولف، وجرفت دواخلك نزاع العيش بها، ثم باغتك شعور الانتماء لها دونما تفكير، وفي روابيها تلفحك نسمة إطمئنان تقودك إلى عوالم أخرى فسحر المدينة تعكسه الصورة وترجمه ابتسامات الأطفال.
قطعة مغسولة
مدينة نيرتتي هي أحد أكبر مدن محلية غرب الجبل التابعة لولاية وسط دارفور والتي تقع في غرب السودان ضمن ولايات دارفور الخمس، يحدها شمالاً ولاية شمال دارفور، وشرقاً ولاية جنوب دارفور، وفي الشمال الغربي ولاية غرب دارفور، وكلمة (نيرتتي) تعني بلغة الفور “القطعة المغسولة والنظيفة الخالصة” نسبة لنظافة المكان وروعته، وقد جذبت المدينة ذات الطبيعة الخلابة أنظار السودانيين والعالم أجمع، بالاعتصام السلمي لأهل المنطقة الذين يريدون لها أن تكون مغسولة ونظيفة من الدماء والتفلتات، ويريدون العيش بسلام لفلاحة أراضيهم وزراعتها.
حماية الفلاحة
تعد البلدة واحدة من كبرى المدن المحلية في غرب جبل مرة والشهير بمناظره الطبيعية الساحرة، ويمتهن غالبية أهاليها الزراعة، لكن معاناتهم هي مع المسلحين الذين يمنعونهم من الفلاحة ويهاجمون المزارعين والنساء العاملات في الحقول ويروعونهن وأحيانا يغتصبونهن، وهو ما دفعهم للاحتماء بالسلطة المحلية والدفع باشتراطاتهم أملا في الحماية، وقد سلكت المطالب التي أعلنوها طريقها للتحقق.
فاكهة الجبل
البعد الإستراتيجي الذي تمتاز به المنطقة بعداً سياحياً من الطراز الأول، ثم الزراعة المطرية في المقام الثاني، وتمتاز كذلك بإنتاج الفاكهة في مقدمتها برتقال أبو صُرة المعروف بطعمه الفريد، وتفاح جبل مرة ذو الحجم والطعم المتميز، وكذلك الموز أبو نقطة الذي يعد من أجود وأطعم أنواع الموز في البلاد، جزء كبير من إنتاج فاكهة جبل مرة يصدر للخارج، ومطلوب في أوروبا والشرق الأوسط، ويعد من أجود أنواع الفاكهة وتكلفته أعلى ثمناً داخلياً مقارنة بالفاكهة المستوردة، خاصة البرتقال المعروف بـ(أبو صرة)، ويعتمد إنسان المنطقة على الزراعة والتجارة وقليل من الرعي، ومع كل تلك المقومات تفتقر المنطقة للتنمية والبني التحتية، وتعاني شحاً في الموارد، الأمر الذي يستدعي الإستغراب والحيرة في جدوى منطقة غنية بالمقومات الزراعية والسياحية، يقع فيها جزء من مساحة الجانب الغربي لجبل مرة الذي يضم بعض الشلالات، إلى جانب المناظر الطبيعية التي تتحول إلى جنة الطبيعة الساحرة عند فصل الخريف، وترى الأعين على مد بصرها جمالا لا منتهي.
مناخ سياحي
المناخ في نيرتتي عند فصل الخريف ممطر رطب بصورة مستمرة تكاد لا تغيب الأمطار لأيام متتالية كما هو الحال في أرجاء البلاد خلال موسم الأمطار، وشديد البرودة في بعض الأحيان مشمس إلى حد معقول خلال اليوم، وفي أحايين أخرى تغيب الشمس لأيام قد تصل لأكثر من أسبوع، وعند فصل الشتاء لا يقاوم برودتها إلا أهلها، وفي الصيف تجدها معتدلة ودافئة في أقصى درجات حرارتها التي لا تعد ضمن مناسيب الدرجات العالية، فتعد الأجواء فيها ممتازة في كل الفصول، وقابلة للسياحة على مدار العام إن توفرت الظروف الملائمة والبيئة اللائقة والاستقرار المطلوب.
على حافة الرعب
ما تحتاجه المدينة لتصبح بقعة سياحية تجذب السياح من حول العالم، ويتمكن مواطن السودان من زيارتها هو الأمن والاستقرار والتفكير السليم لتحويلها إلى بقعة سياحية، وتوفر الأمن يحتاج لسلام دائم في كافة البلاد واختفاء أثر التمرد وغياب السلاح من يد المواطن، والآن بشريات اكتمال السلام بدأت ترفرف داخل قاعات التفاوض، ولكن العثرات تبرز هنا وهناك، ولعل المؤشرات السياحية لا تحتمل أي عراقيل تفسد إشراقات المناطق الحافلة بالنضار وهي على حافة الرعب.
مقومات مهدرة
نريد الإستقرار والأمن ليس لأجلنا فقط بل لأجل إنسان السودان، هكذا بدأ المواطن عاصم يعقوب أحمد حديثه لـ(الجريدة) وقال: لدينا مناطق سياحية لا مثيل لها في العالم ظلت لسنوات لا يستطيع أحداً الاقتراب منها، وكذلك عديد المناطق الزراعية الخاصة بانتاج الفاكهة (الجناين) في قبضة المتفلتين، فهذه جميعها مقومات مهدرة إن عاد الأمن للبلاد سينعم بخيراتها أهالي السودان أجمعين، وستصبح بقعة سياحية تدر مالا للخزينة المحلية والدولة بشكل أعم، ويتابع بالتساؤل: لماذا لا ينعم إنسان منطقة نيرتتي بالأمن الذي يعد من أبسط وأهم المتطلبات، لماذا نترك الصراعات تسيطر على مثل هذه المناطق المهمة، ويختتم يعقوب حديثه بالقول: أوقفوا التفلتات وحققوا لنا تأمين الموسم الزراعي بشكل دائم ليس لعام أو عامين واننظرونا سترون ما لا يصدق.
في ذات الاتجاه شكى رئيس لجنة أمن محلية غرب جبل مرة صبري يعقوب من غياب الأمن الذي يجعل أمر السياحة محالا، داعياً المواطنين بمساندته في تحقيق الأمن والاستقرار الشامل في المنطقة، ومطالبا رئاسة ولاية وسط دارفور بالالتفات للمنطقة وتحقيق المطالب.
تنمية مغيبة
وفي ذات الجانب أشار مواطنون إلى أن المنطقة تحتاج لقوات حماية دائمة لفترة طويلة حتى تتم ملاحقة المتفلتين وتنظيف المنطقة من الذين يثيرون الهلع والرعب باعتداءاتهم على المواطنين، متهمين في ذات الوقت الولاية بتجاهل تنمية محلية نيرتتي منذ وقت طويل.
صحيفة الجريدة