باتت طوابير الخبز والوقود منظر مألوف لملايين السودانيين منذ أواخر عهد نظام البشير وحتى اليوم، ويتخوف السودانيون من الأثار المترتبة على خطوات الحكومة الإنتقالية التي يبدو أنها تتجه للتحرير الكامل لأسعار المحروقات والخبز، وقد بدأ فعلياً إنتاج الخبز التجاري في مدن وولايات سودانية وتتراوح سعر القطعة بين 5 الى 10 جنيهات.
ويعيش السودان أزمة طاحنة موروثة من النظام السابق في السودان أثرت على حياة الناس وتفاقمت أكثر مع الحكومة الإنتقالية الحالية ومع تداعيات أثار جائحة كورونا ،وتمظهرت الأزمة الإقتصادية الخانقة، في ندرة الخبز المدعوم في معظم الولايات السودانية، وإرتفاع جنوني في أسعار السلع الإستهلاكية، وكذلك إنقطاع الكهرباء لساعات طويلة ونقص في إمدادات البنزين والجازولين، بالإضافة لتهالك وسائل حركة المواصلات العامة في مختلف المدن السودانية، وتدهور غير مسبوق في الخدمات الصحية ونقص الدواء.
وقال رئيس الوزراء السوداني دكتور عبد الله حمدوك في خطاب متلفز مساء الإثنين 29 يونيو 2020 شاهدته صحيفة كوش نيوز (ستتوالى على مسامعكم في الايام المقبلة عدد من القرارات الحاسمة في مسار الفترة الانتقالية، وقد يكون لبعضها اثر كبير – سياسيا واقتصاديا واجتماعيا- وستحاول بعض الجهات استغلالها لتأجيج وصناعة حالة من عدم الاستقرار، انني ادعوكم جميعا، لتوخي اقصى درجات اليقظة والحذر).
وقالت وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي أن السودان يبدأ تطبيق برنامج استثنائي لحل مشاكل الاقتصاد وإن التوصل إلى حلول جذرية للأزمات الاقتصادية العميقة التي تواجه الشعب السوداني هي الأولوية القصوى لحكومة السودان الانتقالية.
وأضافت المالية عبر بيان يوم 28 يونيو 2020 (لقد نتجت هذه الأزمات الاقتصادية الهيكلية لسوء حكم النظام البائد وإدارته الفاسدة للدولة ، حيث أسفرت عن ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض دخل المواطنين وزيادة الفقر وجعلت الاقتصاد يعاني من عجز تجاري وضريبي هائل خاصة بعد جائحة كورونا التي جعلت الوضع أكثر سوءاً. وقد إنكمش الاقتصاد السوداني بنسبة ٢.٥٪ في عام ٢٠١٩ ومن المتوقع أن ينكمش بنسبة ٨٪ بنهاية عام ٢٠٢٠ بسبب جائحة الكورونا ، وقد أدى هذا إلى ارتفاع التضخم ليتجاوز ١٠٠٪ . بالإضافة إلى ذلك فقد بلغ مستوى الدين الخارجي للسودان مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي حوالي ١٩٠٪ ، وهو من بين أعلى المعدلات في العالم مما يمنع السودان من الانتفاع من التمويل الدولي للمشاريع الإنتاجية والتنموية).
وقالت وزارة المالية (إن علاج مثل هذه المشكلات المستفحلة في الاقتصاد السوداني سوف يكون صعباً للغاية خاصة في المرحلة الأولى ولكنه ضروري جداً لاستقرار الاقتصاد وتحقيق متطلبات ثورة ديسمبر المجيدة).
وأضافت المالية (قد توصلت الحكومة الانتقالية مع وصندوق النقد الدولي لبرنامج اقتصادي لمعالجة التشوهات الهيكلية في الاقتصاد السوداني بطريقة جذرية وسيدعم البرنامج جهود الحكومة الانتقالية لتثبيت الأسعار الأساسية بما فيها سعر الصرف بطريقة تدريجية).
وفي تقرير سابق قال الخبير الإقتصادي إبراهيم التاج لصحيفة كوش نيوز حول القرارات الاقتصادية المتوقعة بناءاً على التصريحات الحكومية السابقة (ستتمثل المعالجة الأنية في رفع الدعم عن المحروقات وترشيد دعم الخبز عبر التوسع في توفير الخبز التجاري الغير مدعوم، ورفع الدعم عن الكهرباء).
وأضاف إبراهيم التاج (الدعم بطريقته الحالية بات يشكل إرهاقاً كبيراً للميزانية العامة للدولة وخلق تشوهات منها ندرة السلع والسوق السوداء وتهريب السلع الإستراتيجية).
وأضاف التاج أيضاً من القرارات المتوقعة فتح باب الإستيراد بكافة طرق الدفع وذلك لمعالجة أزمة الندرة في السلع والتي إرتفعت مؤخراً بصورة جنونية نسبة للحظر الصحي بسبب جائحة كورونا.
وبخصوص سعر الصرف إستبعد التاج، تعويم الجنيه السوداني بصورة كاملة مقابل الدولار ورجح إستمرار سياسة بنك السودان المركزي في نظام السعر المرن المدار، لكن يحتمل أن يتم تحريك السعر الرسمي مقابل الدولار من 55 جنيه الى 100جنيه بهدف تشجيع عمليات الصادر، مع إستحداث ألية لجذب نحويلات المغتربين بالأسعار الحرة.
وأضاف إبراهيم التاج في تصريحات سابقة لصحيفة كوش نيوز (القرارات الإقتصادية الجديدة رغم ما ستتيحه من وفرة في السلع، إلا أنها ستكون صادمة ومؤلمة للشعب في الفترة الأولى بسبب إرتفاع تكاليف المعيشة، وأتوقع صدورها خلال شهر يوليو بحسب تلميحات رئيس الوزراء دكتور عبد الله حمدوك وتصريحات وزير المالية الذي يعمل لإعادة هيكلة الإقتصاد ودمج السودان في المجتمع الدولي).
الدكتور ابراهيم البدوي وزير المالية وعبر تصريحات في مختلف وسائل الإعلام أعلن عن حوجة السودان لمليارات الدولارات لإنعاش إقتصاده، وسعى في التواصل مع المؤسسات الدولية وعبر مؤتمر أصدقاء السودان، إلا أن نتائجه جاءت دون المتوقع،حيث الظروف الدولية تغيرت كثيراً هذه الأيام مع جائحة كورونا وأصبحت كل بلدان العالم مشغولة في نفسها بالإضافة للتداعيات الإقتصادية الخطيرة التي عمت العالم.
وكل التكهنات تشير أن دكتور البدوي يسجري جراحة عاجلة لإنقاذ الإقتصاد السوداني الذي يرقد في غرفة الإنعاش حيث قال وزير المالية السوداني (الوضع صعب للغاية، ولكن هذا البرنامج لابد منه لمعالجة كل هذه الأزمات بطريقة جذرية، ونعلم ان آثار هذه المعالجات قاسية خاصة في المراحل الأولى التي نمر بها الآن ولكنها ستأتي أكلها باقتصاد متعافي من التضخم والفساد والتشوهات خلال الفترة الانتقالية إن شاء الله)، ذلك ما غرد به الوزير على تويتر، رداً على مواطن يشتكي من سوء الأحوال المعيشية.
ويعاني السودان منذ انفصال الجنوب عام 2011 من ندرة في النقد الأجنبي، لفقدانه ثلاثة أرباع موارده النفطية، بالإضافة لدعم مواد الطاقة والخبز والكهرباء الذي يكلف الخزينة العامة مليارات الجنيهات بحسب وزير المالية الدكتور إبراهيم البدوي الذي يطالب بتحرير أسعار البنزين والجازولين لوقف التضخم الموروث من النظام السابق، وقد بدأ فعلياً بتنفيذ سياسته بتحرير جزئي للمحروقات عبر إعتماد سعر تجاري لها.
وبعد أن أوفت الحكومة السودانية في تنفيذ زيادة كبيرة غير مسبوقة لأجور العاملين بالدولة إعتباراً من شهر مايو 2020، بنحو 7 أضعاف عما كانت عليه المرتبات القديمة، إرتفعت شعبية وزير المالية السوداني بصورة كبيرة.
وظل العاملين في مؤسسات الدولة الحكومية يشتكون منذ سنوات طويلة من ضعف رواتبهم، في ظل ارتفاع أسعار السلع، وتصاعد معدلات التضخم الذي سجل معدلات وقفزات عالية.
وتوقع الخبراء الاقتصاديون أن تؤثر زيادة المرتبات على معدلات التضخم المرتفعة أصلاً، وإلى إحداث عجز كبير في تمويل الموازنة العامة للدولة، فيما يرى مراقبون وإقتصاديون أنه لا يمكن ظلم العاملين في الدولة بسبب حجة التضخم وينصحون الحكومة بإجراء المعالجات اللازمة ويقول وزير المالية، إبراهيم البدوي، إن تنفيذ الهيكل الراتبي الجديد للعاملين في الدولة سيسهم في تحريك الاقتصاد الوطني.
أيضاً تكونت في السودان لجنة طوارئ إقتصادية يرئاسة الفريق أول محمد حمدان دقلو نائب رئيس مجلس السيادة الإنتقالي ودكتور حمدوك رئيس الوزراء رئيس مناوب، وإستبشر بها السودانيون لحل المشاكل المزمنة للإقتصاد، ولكن واقع حياة الناس لم يتغير ولم تنجح اللجنة حتى الوقت الراهن في حل كل الأزمات المتراكمة والتي تزداد يوما بعد يوم.
وتوجهت صحيفة كوش نيوز مساء يوم الإثنين، بأسئلة للخبير الإقتصادي إبراهيم التاج حول التقاطعات بين لجنة الطوارئ الإقتصادية والسياسات المتوقغ صدورها للإصلاح الإقتصادي فقال (لا توجد أي تقاطعات فعمل لجنة الطوارئ وكما قال حميدتي بنفسه أنها نفير أي تقوم بالمساعدة فقط، أما السياسات الكلية للإقتصاد فهي بلا شك عمل الحكومة كمنظومة واحدة مع الدور الريادي لتوصيات وخطط وزارة المالية والتي في مجملها هي الإستراتيجية العامة المجازة من الحكومة الإنتقالية).
وحول وصف البعض أن القرارات الاقتصادية القادمة صعبة للغاية ومؤلمة للشعب السوداني وتشمل زيادة كبيرة للخبز والوقود والكهرباء يتساءل البعض عن موقف ورأي الفريق أول حميدتي بوصفه رئيس الطوارئ الإقتصادية ما تعليقك على ذلك، فأجاب الأستاذ إبراهيم التاج (لا أعتقد أن حميدتي يتدخل في العمل التنفيذي للحكومة فالإصلاح الإقتصادي من صميم واجبات وعمل مجلس الوزراء بحسب الوثيقة الدستورية، أما لجنة الطوارئ فهي كانت لحل أزمات مستعجلة فقط وليس وضع سياسات كلية لإدارة الإقتصاد مثل تحرير الأسعار ورفع الدعم، لذا أعتقد أن حميدتي ليس لديه علاقة بالموضوع).
سؤال أخير أستاذ إبراهيم: الشارع السوداني يتساءل متى يتم إعلان السياسات الإصلاحية التي ألمح لها كل من رئيس الوزراء ووزير المالية فأجاب إبراهيم (بحسب الواقع الإقتصادى أرى أنها ستكون خلال أيام وعبر خطاب تلفزيوني يصارح فيه ويشرح رئيس الوزراء للشعب السوداني الضرورة التي دفعت الحكومة لإتخاذ الجراحة العميقة لإنقاذ الإقتصاد ووضعه في المسار الصحيح، وقد لا تعلن السياسات كحزمة واحدة نسبة لكلفتها السياسية الباهظة).
الخرطوم (كوش نيوز)