حلبيّةٌ بين السمر

بدايةً، يطلق مصطلح حلبيّ في اللهجة السودانية على ذي البشرة الفاتحة والذي قد يكون سودانياً أو من جنسية مغايرة، وكطرفة خارج الموضوع: أول مكوثي في السودان سمعت جملة “الحلبية جات” فرددت “لست من حلب، أنا من ريف دمشق” وكنتُ أجهل معنى الكلمة، فيما بعض أصبر الأمر دعابة نتندر بها.
قبل سفري إلى السودان سمعت هذا النوع من الجمل:
“تخيلي أن تعودي مع عريس سوداني وأطفال كأبيهم”، تتبع هذه الجملة بضحكات على أنها استهزاء، وتلاقي نكتة قميئة كهذه استحساناً بين الناس رغم ادعاءاتنا بخلاصنا من العنصرية.
قد يثير الأمر غضباً لدى القارئ لكن ما يغضب فعلاً هو كيف يتعامل المجتمع السوداني مع الأمر.
درست الثانوية في السودان، الخرطوم تحديداً.. أول ما لفتني أن السودانيين متفاوتون في ألوان البشرة ويطلقون على ذلك أسماءً، من الأسود تماماً إلى السمرة الخفيفة
نظراً لطبيعة السودانيين المضيافة ولكوني غريبةً لا تفهم اللهجة فقد تناوبت صديقاتي على تعليمي اللهجة السودانية وصرت جاهزة للانخراط بالأحاديث، ومن ضمن ما تعلمته كلمة “حلبي” المذكورة سابقاً وكلمة “أزرق/أخصر” التي تعني الشخص شديد السمرة أو الأسود، ولم أستغرق وقتاً لأدرك أنه في معظم الأحيان يفضّل الحلبي على الأزرق، ويُؤثَر الشعر الناعم على المجعد.. وهذا في عموم الناس أما بالنسبة للفتيات والنساء على وجه الخصوص كان الوضع أسوأ.
تحدثني صديقتي عن أفراد عائلتها خاتمةً الحديث بقولها: “لا تأخذي فكرة عن عائلتي من خلالي فجميعهم ببشرة فاتحة وأنا السمراء الوحيدة”، وتوالت أحاديث كهذه منها ومن كثيرات بحديثهن عن أنفسهن او صديقاتهن أو فتيات عرفنهنّ.
دارت الأيام وسمعت عبارة الزواج من سوداني نفسها لكن على شكل تساؤل من صديقاتي السودانيات هذه المرة:
_بتول لو جا ليك عريس سوداني بتقبلي تعرسيهو “تتزوجيه”
_أخير ليك ما تعرسي سوداني، نسلك كلو بتلقيهو اتوسخ
_عليك الله عرسي سوداني ونحنا نعرس سوريين نعمل تحسين نسل
وأمام الحديث عن اعتبار النسل الأسود حاجة متسخة أو بحاجة تحسين لم أملك تعليقاً.
تذكرت وقتها منشوراً ساخراً بداية الأحداث السورية تناقلته صفحات سودانية مفاده أن السوريات قادمات هرباً من الحرب فليتجهز شباب السودان، وفي نهاية المنشور دعاء بأن يعم الأمن والسلام دول أثيوبيا والصومال ونيجيريا كل لا تلجأ الفتيات منه للسودان! المنشور كان مقرفاً ولا يمكن تأويله بأي وجه حسن، وهنا مشكلة أخرى إذ يعتبر بعض من الشباب السوداني أن فتيات بلادهم لسن على قدر عال من الأنوثة والغنج الذي تتمتع به الفتيات من جنسيات أخرى متأثرين بذلك بالإعلام والدراما التي رسمت شكلاً واحداً للمرأة وقرنت الأنوثة به
من يعيش في السودان ويعرف ظروفه الاقتصادية والاجتماعية والمناخية يدرك أنه لا وقت للالتفات وأن الدلال وفساتين الإغواء لا يتناسبان مع من تجتهد كل وسعها لتعيش، ورغم ذلك تبهرني صاحباتي السودانيات برقّتهن حين تلزم الرقة، وساندنني في أكثر أوقات الحاجة هذا وأنا الغريبة فكيف بهنّ إذا تزوجن وأنجبن أطفالاً؟ سيكنّ أكثر رقة وحناناً وأكثر حزماً في العمل والسعي.
ولو توقف الأمر عند حد الكلام والمقارنات لكان الأمر أهون، لكن بطريقةٍ ما تسعى الكثير من نساء السودان لتغيير لون بشرتهن، يتم ذلك عن طريق خلطات تبييض منزلية أو مصنعة بالكثير من الكيماويات، وكثرٌ من تضررن ضرراً بالغاً نتيجة تجريب هذه المستحضرات وألحقن الأذى بجلودهن.. وهناك مجموعات كبيرة على الفيس بوك تروج لهذه المنتجات بأسعار مرتفعة وللأسف الإقبال عليها كبير، وكنت سأعرض عن هذا الحديث بسبب أزمات السودان الأخيرة وانقطاع الماء والكهرباء لكن هذا كان سبباً إضافياً إذ أنه رغم كل هذه المشاكل لا تزال موضة التفتيح والتقشير قائمة مما يعني أنها ليست أمراً عابراً، وما جعل الأمر أفظع أن الفنانات السودانيات والمذيعات معظمهن فاتحات البشرة سواء بشكل طبيعي أو عن طريق المساحيق والعلاجات يقدمن بذلك الفكرة النمطية للجمال ذاتها.
بين الفينة والأخرى نسمع عن حوادث عنصرية، البعض يسخر والبعض يفعل ما هو أسوأ من السخرية بأن يقول “ماذا يعني إن كان أسوداً فالمهم جمال الروح والقلب”، هذا الشخص يفترض أن سمر البشرة قبيحون شكلاً فيعول على جمال أرواحهم وقلوبهم، ومن الصعب إقناعه بخطئه فهو يعتبر نفسه في صفهم وداعماً لهم.
كتبت هذا النص بعد حلم راودني عن تغير ملامحي ولون بشرتي وكنت على قناعة بجمال وجهي الجديد لكنني خشيت مواجهة أحدٍ به لا لعلّةٍ في نفسي بل بهم إذ يعتمدون سياسة التمييز
إلى صديقاتي السودانيات:
في ظل الظلم والعبودية والتمييز المستمر آلاف السنين لا بد وأن نشعر بالتناقضات أحياناً، أن نحبّ أنفسنا ونرغب في تغييرها في الوقت ذاته لنتوافق مع السائد، وأن نتمنى لو خلقنا بمواصفات لا تعتبر وصمة في أزمنة تغرق بالتفرقة والجهل، لا بأس بما تشعرن به فجميعنا نوضع في قوالب وفقاً للون أو الوزن وطول الشعر ولون العيون ومقاس الخصر..
ما يهمّ ألا تسيري وراء هذه الأصوات جميعها، أنت جميلةٌ وأعنى هنا جمال الشكل، جميلةٌ بصورة فاتنة، جميلةٌ بما يكفي لتُغنّى لك القصائد ويعرض بهاؤك في المتاحف.

Batoul Juneid

Exit mobile version