(1) النقطة الفاصلة بين مرحلة انتقالية واستدامة الإستقرار السياسي هي الإنتخابات، ونهاية الفترة الإنتقالية إجراء إنتخابات نزيهة تحدد الموازيين السياسية وتعبر عن إرادة المواطن وتلك أهم مطلوبات المرحلة الإنتقالية وغاياتها.. فهل سمعتهم احدا يتحدث عنها؟ وهل كانت ضمن أجندة المواكب أو الوقفات الإحتجاجية؟ وهل تناولها د. حمدوك رئيس الوزراء في أي خطاب أو كلمة له؟ هذه قضية محورية وتكشف عن زيف الدعاوى وكذب المواقف وعبث المناورات والسعي لإختطاف الحياة السياسية في السودان دون إرادة حقيقية، وربما تفسر إصرار بعض القوى على إطالة أمد الفترة الإنتقالية، لقد أجرت حكومة د. فع الله الجزولي الإنتخابات عام ١٩٨٦م خلال عام واحد، وكان المجلس العسكري عام ١٩٨٥م مصرا على الإلتزام بفترة إنتقالية عاما واحدا، بينما ذات القوى السياسية الناشطة على المشهد الراهن كانت تعارض ذلك.
(2)
تمتد الفترة الإنتقالية ٣٦ شهرا، مضى منها الآن ١٠ شهور وتبقى ٢٦ شهرا، وبحسابات التجربة المحلية والإقليمية فإن العملية الإنتخابية، مع قانون جاهز وتمويل وافر وسجل انتخابي منقح ومشاركة دولية او إقليمية ، تحتاج على الأقل ٢٠ شهرا، فهل الست أشهر القادمة كافة لتحقيق ذلك، ومازالت المفوضية الخاصة بالإنتخابات لم تشكل، بل لم ترد في خاطر أيا من القيادات الحزبية السياسية سوي تصريحات سابقة لحزب الأمة القومي، وللأمانة فإن بعض تصريحات المكون العسكري تتحدث عن تسليم السلطة لحكومة منتخبة، ولكن للأسف فإن القوى السياسية تتحاشي سيرة الإنتخابات التي تعبر عن الديمقراطية وتمثل عنوانا للحرية!
ربما جيلنا يدرك السبب، فالكثير من القوي السياسية التي تتصدر المشهد السياسي الآن لم تحظ بثقة الناخب السوداني، ولم ينال بعضها أكثر من نائب واحد أو نائبين في أي برلمان سوداني طيلة الحقب التاريخ واغلبها لم تدخل البرلمان إلا بالتعيين، ولذلك لا نتوقع منهم حديثا عن إنتخابات أو إنتقال من مرحلة المزايدات السياسية إلى واقع العمق الشعبي والتفويض.
(3)
إن تغييب جند الإنتخابات على خطورته يبدو أمرا مقصودا ومطلب للكثيرين من الذين يختفون وراء الحجب والتدليس ، وذلك حتى تستمر هذه المجموعات الحزبية بالتحكم في الساحة السياسية دون تفويض شعبي ومن خلال تشكيلات متعددة ومنابر فضفاضة، والسعي لإحداث تغيير في البنية السياسية والإجتماعية والثقافية في السودان لتعميق تأثيرها، وهو أمر يتطلب تغييرات في المناهج الدراسية والخطاب الإعلامي والثقافي ويمتد في البيئة الإجتماعية، وربما إقرار قوانين جديدة كما هو السعى الآن بخصوص النقابات ومؤسسات الدولة المختلفة وحتى التوقيع على اتفاقية دولية تحفظت عليها كثير من دول العالم لإنها لا تتسق مع قيمها الثقافية والدينية ، وبعد انعقاد المجلس التشريعي ربما تتسارع الخطوات للتوسع في القوانين والإجراءات بما يخدم هذه الغايات دون تفويض شعبي حقيقي.
(4)
إن غياب الحديث عن الانتخابات، رغم أن هذا هو المطلب الأول والأبرز للكثير من المنظمات الدولية والإقليمية، يشير إلى أن نوايا بعض القوى السياسية استبعاد الخيار الإنتخابي، لإنها عاجزة عن تحقيق أي وجود فعلي بالقدر الذي تمارسه الآن، كما أن الإنتخابات تنهي أكذوبة الكثير من الكيانات السياسية، ولذلك يبدو السعى لصرف النظر عنها ملحوظا واتوقع عدة سيناريوهات:
أولا: توقيع إتفاق سلام مع بعض الحركات المسلحة َتضمينه فترة إنتقالية إضافية، ويوفر هذا تبريرا للمجتمع الدولي مع ضمان إضعاف المكون العسكري بعد نهاية رئاسته للفترة الأولي، مما يعطي هذه القوى تأثيرا أكبر.
وثانيا: تعديل الوثيقة الدستورية الراهنة، بإتفاق الطرفين، واستمرارية المجلس التشريعي المعين، وهذا إذا استبعدنا المغامرات السياسية التي يتسم بها اليسار السوداني في كثير من مواقفه واجندته.
إن علي القوى الوطنية الحية والخبراء وقادة الرأي في بلادنا إيقاف مسلسل إختطاف المشهد السياسي بما يهدد الوحدة الوطنية والترابط الإجتماعي وضمان أجندة واضحة للإنتخابات ومواقيتها وإعلان مفوضيتها وتقديم مسودة قانون شفاف، وإرادة الأمة أحق بالإحترام. والسلام
د. إبراهيم الصديق على
الإثنين ٢٩ يونيو ٢٠٢٠م