هل يجوز للبنت أن تعرض نفسها للزواج؟ سؤال حائر بين كثير من الفتيات، حيث يمكن للفتاة أن تربط عاطفيًا وتخشى أن تبلغه بأنها تريد الزواج منه، لأن عُرف المجتمع يرفض ذلك، ولكن إذا فعلت الفتاة على خالف العرف وعرضت نفسها للزواج هل تأثم شرعًا؟، قال الإمام القرطبي في تفسير قوله تعالى: «إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ» (سورة القصص:27): «فيه عرض الولي ابنته على الرجل، وهذه سنة قائمة، عرض صالح مدين ابنته على صالح بني إسرائيل، وعرض عمر بن الخطاب ابنته حفصة على أبي بكر، وعثمان، وعرضت الموهوبة نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم، فمن الحسن عرض الرجل وليته، والمرأة نفسها على الرجل الصالح؛ اقتداء بالسلف الصالح قال ابن عمر: لما تأيمت حفصة، قال عمر لعثمان: إن شئت أنكحك حفصة بنت عمر، الحديث انفرد بإخراجه البخاري».
وللإجابة عن سؤال هل يجوز للبنت أن تعرض نفسها للزواج؟، استندنا فيه إلى حلقة سابقة للإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر.
قال الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، إنه يجوز شرعًا للفتاة أن تخطب لنفسها، وللأب أن يخطب لابنته حين يشعر أن هناك شابًّا مناسبًا لابنته، رغم أن ذلك مخالف لما جرت به العادة، وقد حدث ذلك بالفعل في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-.
واستشهد «الطيب»، في حديثه الذي أًذيع على الفضائية المصرية عام 2017م، بأن أَنَسًا قال: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَعْرِضُ عَلَيْهِ نَفْسَهَا، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَكَ بِي حَاجَةٌ؟ فَقَالَتْ بِنْتُ أَنَسٍ: مَا أَقَلَّ حَيَاءَهَا، وَا سَوْءَتَاهْ وَا سَوْءَتَاهْ، قَالَ: «هِيَ خَيْرٌ مِنْكِ، رَغِبَتْ فِي النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا»، فابنة أنسٍ كانت متأثرة بالعادات والتقاليد لكنه أراد أن يصحح لها هذه العادات والتقاليد بالشريعة الإسلامية، وقد استنبط الفقهاء من هذا الحديث جواز أن تعرض المرأة نفسها على الرجل الصالح، وهنا يأتي معيار التدين والخلق.
وتابع: «وحدث كذلك حِينَ تَأَيَّمَتْ (صَارَتْ أَيِّمًا وَهِيَ الَّتِي يَمُوتُ زَوْجُهَا) حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِنْ زوجِها خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ، فعرضها عُمَرُ على عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فاعتذر، ثم عَرضَها على أبي بَكْرٍ الصِّديق فَصَمَتَ أيَّاما فَلَمْ يُجِبْ بنعم أو لا، ثُمَّ خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في قصة معروفة، وقد عرض ذلك الإمام البخاري في صحيحه تحت عنوانين: الأول باب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح، والثاني بَاب عَرْضِ الإِنْسَانِ ابْنَتَهُ أَوْ أُخْتَهُ عَلَى أَهْلِ الْخَيْرِ، وعندنا عناوين أبواب صحيح الإمام البخاري أحكام تشريعية».
وأشار إلى أن «هناك مواصفات في الرجل الذي يجعل المرأة تعرض نفسها عليه، وهو أن يكون الرجل صالحًا ذا خلقٍ يعرف لها حقوقها ويصونها ويحميها وتسعد معه، ومن هنا يجوز لهذه المرأة أن تكسر قاعدة العادات والتقاليد، لكن لا يجوز أن تعرض نفسها عليه لكونه كثير المال أو خفيف الظل أو وسيمًا؛ لأن عنوان الباب في البخاري: (باب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح)، وليس الجميل أو كثير المال أو غير ذلك، وغالبًا بدأ يحصل هذا النوع من ناحية التعارف بين الشاب والفتاة إلى أن ينتهي بالزواج، لكن ينبغي أن يتم ذلك في إطار الشريعة الإسلامية».
وأكد شيخ الأزهر أن الحضارة الغربية تزن هذه الأمور بميزان المنفعة المادية، وقد بدأ البعض يتأثر بهذه الحضارة ويزن الأمور بميزان المنفعة والمصلحة، منوِّهًا إلى أن مشكلة الزواج لها حلٌّ وهو أن تُهَيَّأ للشباب شقق صغيرة تتكون من حجرة وصالة ومطبخ وحمام، ويجب ألا يُغالَى في المهر، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- زوّج رجلًا امرأة بخاتم من حديد، مشيرًا إلى أن الزواج في هذه الأيام صعب جدًّا، ولذلك يجب على الأثرياء أن يراعوا شعور الفقراء، وأن يساعدوا في تيسير الزواج.
صدى البلد