للأسف يعتقد الكثير من الناس، أن التربية الإسلامية هي العبادات، وأن ممارسة العبادات تفضي تلقائياً الى تربية الناس، لذلك نجد اليوم المسجد مليء بالمصلى، وحلقات الذكر تعج بالمريدين، وتقديمات الحج تفوق إمكانيات الناس، وتحضيرات رمضان تبدأ من بعد الحج!
بينما الفساد يطال كل شيء بلا استثناء، وأول ما يطال ديوان الزكاة وإدارة الحج وادارة الاوقاف، والجمعيات الخيرية، ومراكز تحفيظ القرآن، وعن الفساد في الدولة والشارع فحدث ولا حرج!
لذلك وجب أن نعلم أن التربية الإسلامية شيء آخر تماماً غير العبادات الراتبة، التربية في ابسط تعريفاتها هي تحويل القيم المجردة التي نحفظها عن ظهر قلب، إلى قيم اجرائية نستطيع أن نمارسها وننحاز لها بل ونموت من أجلها. تحويل القيم المجردة إلى قيم اجرائية يحتاج إلى علوم مساعدة، يحتاج إلى فلسفة المعرفة ابتداء، لنفهم فهمنا للأشياء وللقيم في ذاتها، وكيفية نشوئها وزوالها، نحتاج علم الاجتماع والانثربولوحي وعلم نفس باقسامه المتعددة تربوي وسلوكي وغيرها.
من العراقيل التي تعيق انفاذ هذا العمل هي أن كل هذه العلوم في نظر (رجال الدين)، هي علوم “مشغلة” لا طائل من ورائها، وقد عبر عن ذلك شاعر الفقهاء ومؤسس علم الأصول، الإمام الشافعي رحمه الله تعالى حين قال:
كُلُّ العُلومِ سِوى القُرآنِ مَشغَلَةٌ
إِلّا الحَديثَ وَعِلمَ الفِقهِ في الدينِ
العِلمُ ما كانَ فيهِ قالَ حَدَّثَنا
وَما سِوى ذاكَ وَسواسُ الشَياطينِ
فلا غرو أن يقع علماء المسلمين الذين انتقدوا الواقع وحاولوا إصلاحه تحت نيران فتاوى الفقهاء الذين أمطروهم بوابل من القذائف التكفيرية وقنابل التفسيق والرمي بالعمالة، أمثال ابن حيان والرازي والخوارزمي وابن النفيس والحلاج وابن رشد وابن سيناء والفارابي وابن خلدون وغيرهم كثير.
العبادة شيء والتربية شيء آخر، لذلك قال النبي صلوات ربي (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه)، فالدين شيء والخلق شيء مكمل له. فإذا لم نفهم ان التربية (فعل شاق) يحتاج لجهاد ومال وعرق وعلم كثير، فستظل قيم مثل الصدق والمحبة وإتقان العمل والأمانة وحب الانسانية والعدل كلها قيم تطير في الهواء، نعجز عن ممارستها في الحياة!
ما فائدة الصلاة التي لا تنهى عن الفحشاء والمنكر..
صديق النعمة الطيب
الراكوبة