عندما كنا على عتبات التخرج بالجامعة دخلها هو في السنة الأولى كان طالبا نابها وصاحب فقه وقبول وشخصية جماهيرية.
اوعزت للأخ الراحل عبد الهادي الخليفة طه وهو أحد اساطين التجنيد في الجامعة أن يضمه للاتجاه الاسلامي وقلت له معللاً: (إنني أرى فيه مخايل قيادي قادم ورئيسا للاتحاد)، ولكن محاولات عبد الهادي وآخرين باءت بالفشل واعتذر بلطف بأنه لا يرغب في العمل السياسي، ولكنه ظل مناكفاً شرسا لنا وظل منهجنا معه إن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية.
وإن كنت أحتفظ له بمكرمة لا يفعلها إلا الاتقياء كان يقوم سراً بعد أن يغادر الطلاب بنظافة مصلى الجامعة ويعطره وفي كثير من الاحيان كان يصلي الظهر بالطلاب.
لم التقيه منذ أن استغرقني العمل الصحفي والاعلامي، ولكني علمت لاحقا أنه أصبح اداريا متقدما ومتميزا بإحدى المؤسسات الحكومية الاقتصادية.
زارني قبل أيام وهو يتميز غيظا وغضبا لأن اليساريين قد فصلوه من وظيفته باعتبار أنه كوز، وكان جرمه الوحيد إمامته للناس بمسجد المؤسسة وترأسه لجمعية القرآن الكريم بالمؤسسة. ومن كرامات الانقاذ انها جعلت في كل وزارة وادارة ومرفق عام مصلى.
فواصل مرافعته الغاضبة مستفتياً ماذا أفعل يا أستاذ فأنا لي ثمانية من البنين والبنات لم يتخرجوا بعد وأب متقاعد وأم مريضة وشقيق يدرس بالهند.
فقلت له معزياً وملاطفاً: كان سمعت كلامنا كنت على الأقل بقيت وزير ماليه ولائي
فرد علي بطريقته المرحة بعد أن خرج من حالة الهياج: يا ريت يا أستاذ لكن المقتولة ما بتسمع الصايحة
وأثناء حوارنا وذكريات الجامعة شرد ذهني قليلا في التراثيات ودخلت في نوبة من الضحك المتواصل فسألني باستغراب هل في الأمر ما يضحك يا استاذ؟
فقلت له: لا يا مولانا، ولكن أين ذهب فقهك القديم؟ فقد كان في امكانك أن تستعمل معهم فقه الاضطرار والتَّقيّة كما فعل واصل بن عطاء وتدعي الشرك ومفارقة الجماعة.
فأهل المادية والعلمانيين يحبون الكفار أكثر من المؤمنين، وحكيت له من أيام العرب قصة واصل.
فقد قال الشاهد مما يُروى عن الخوارج أن الشيخ الجليل واصل بن عطاء كان في الصحراء مع بعض أصحابه، وكان زادهم قد شارف على الانتهاء، وفجأة أحسوا بالخوارج مقبلين عليهم، فارتبك الناس، فسيوف الخوارج ستحصدهم حصدا إذا ما تبين لهم أنهم مخالفون لهم أو أنهم يرون صحّة إمامة علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- فقال واصل لأصحابه: (لا يتحدث أحد منكم، دعوني أحدثهم أنا، وخرج إليهم واصل)
فقالوا له: ما أنت وأصحابك؟
فقال: مشركون مستجيرون؛ ليسمعوا كلام الله، ليعرفوا حدوده
فقالوا: قد أجرناكم
قال: فعلّمونا، فجعلوا يعلمونه أحكامهم!
وعندما انتهوا من إسماعهم كلام الله قالوا لواصل: إمض أنت وأصحابك فأنتم إخواننا. وقبل أن تتهلل أسارير أصحاب واصل بن عطاء لانطلاء الخدعة على القوم، فاجأهم واصل بقوله للخوارج: لا والله، لقد خالفتم أمر ربكم، ألم تسمعوا قوله تبارك وتعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} فأبلِغونا مأمننا، فنظر بعضهم إلى بعض، ثم قالوا: لكم ذلك، فساروا جميعا حتى بلغوا المأمن.
اللهم اخرجنا من هذه الفتنة الانتقالية لا مضطرين للشرك والمفارقة حتى نبلغ الشرعية الديمقراطية.. اللهم آمين يا رب العالمين
ملحوظة: أي شركة أو مؤسسة خاصة ترغب في مدير شئون مالية وادارية صاحب علم وأمانة من الحيران وليس من الكيزان فليتصل بي والعنوان معلوم.
حسين خوجلي