يقول الأستاذ الشاعر الكبير والفنان الرقيق التجاني حاج موسى بينما كنت أسير يوماً بدراجتي البخارية بشارع العرضة بأمدرمان ومعي زوجتي في وقت متأخر من مساء شديد البرودة فإذا برجل يقود سيارته يسير خلفي ويحاول إيقافنا ببوق سيارته وبالفعل وقفت على جانب الطريق فإذا بذلك الرجل يقول لي لماذا تعرض هذه الست لهذا الهواء البارد وطلب منا أن يحملنا ودراجتنا البخارية إلى حيث نشاء واعتذرت له بلطف أننا نتجه نحو منزلنا القريب من هذا المكان وقد حيانا هذا الرجل تحية حارة وانصرف.. أتدري عزيزي القارئ من هو ذلك الرجل؟ إنه المشير جعفر محمد نميري رئيس الجمهورية في ذلك الحين وأسالكم سادتي أي رئيس في العالم يفعل هذا؟ لا توافقوني أن سيادة اللواء عمر محقر كان محقاً حين قال بأن نميري أساطير الأولين والآخرين؟ وهي ذات العبارة التي أدلى بها الأستاذ المرحوم أحمد عبدالحليم الوزير والسفير الأسبق والمسؤول السياسي بالإتحاد الاشتراكي إذ سأله أحد الكتاب الذي ألف كتاباً عن جعفر محمد نميري في العام السابق وكان سؤال ذلك الكاتب للأستاذ أحمد عن انطباعاته عن جعفر نميري وقال له: إن أردت أن تكتب عن جعفر نميري ستكتب أساطير الأولين والآخرين واعتقد أن الرجلين لم يقولا إلا الحق ودليلي على ذلك ما ورد في مقالاتي السابقة واللاحقة بإذن الله تعالى وأواصل حديثي عن نميري وانقل ما قاله لي أخي وصديقي وابن خالتي الوسيلة عبدالجليل محمود المغترب الآن بإمارة الشارقة وأسأل الله أن يرد غربته سالماً غانماً مع أسرته الكريمة إلى بلده السودان الحبيب العزيز.. وسيلة إنه وفي بداية حياته العملية قد التحق بديوان شؤون الخدمة في أحد الأيام حضرت الى مكتبي مبكراً كعادتي فإذا برجل يقف بباب المكتب ثم يحييني ويسألني (الجماعة ديل لسة ما جو؟) ولم ارفع رأسي لأرى من السائل وقلت له لسة الوقت ما بدري أضاف الرجل بدري كيف؟ وقت بداية العمل هي السابعة والنصف والآن الساعة قاربت الثامنة وهنا عقبت ورفعت رأسي لألقنه درساً لتطاوله وتدخله في شؤون عملنا وكانت المفاجأة أنه رئيس الجمهورية جعفر محمد نميري أتى ليتفقد أداء العاملين بنفسه غير معتمداً على ما نرفعه له من تقارير وأكد لي كل من سيادة الأخ الأكبر اللواء محقر مدير مكتبه والأخ والصديق محمد الحسن الفاضل قيام المشير جعفر نميري بتفقد الأحوال بنفسه طوال الليل خاصة في الساعات المتأخرة منه وفي الساعات الأولى من صباح اليوم التالي يقول لي اللواء محقر كنت أصحب نميري في إحدى جولاته التفقدية وفي الساعة الرابعة من صباح أحد الأيام كان نميري يقود سيارته بنفسه وقد شاهد نميري أحد المواطنين (حواتي) يقف وأمامه أربعة قفاف من السمك في انتظار وسيلة مواصلات لتقله حيث يريد وأوقف سيارته وحمل القفاف بنفسه الى داخل السيارة (الضهرية) والحواتي محتار تماماً ولا يصدق ما يشاهده من أن رئيس الجمهورية يوقف سيارته ويحمل القفاف بنفسه ويوصله حيث يريد ويواصل اللواء محقر تشاء الأقدار وبعد انتفاضة ابريل ورحيل نميري من الحكم أن أجد نفسي أمام إحدى محلات السمك بالموردة فإذا بصاحب المحل يحكي لزبائنه ويقول إن جماعة كانت تناهض نميري قد اقتحمت محله لنزع وتمزيق صورة لنميري بمحله وتصديت لهم بسكين وقلت لهم إن الذي يقترب من هذه الصورة سأمزقه إرباً إرباً بسكيني هذه وأنكم لا تدرون ما فعله هذا الرجل نحوي وقام بسرد تلك الرواية وهو لايدري أنني كنت المرافق لنميري في تلك الجولة وقبل أن اختم مقالي اليوم اتعرض لبعض ما أفادني به محمد الحسن الفضل عن صفة تحدثت عنها في مقال سابق وهي صفة التواضع التي يتمتع بها الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري يقول الأخ محمد الحسن وإن الرئيس نميري كان في زياراته لكل أنحاء السودان يشارك جموع الشعب السوداني في تناول طعامهم البسيط وكان يصر أن يتناول وجباته مع العمال والموظفين الذين يعملون بالمؤسسة التي يزورها ويضرب مثلاً على ذلك أنه كان عائداً في إحدى الأمسيات من ود نوباوي ويقود سيارته بنفسه يقف بمحل لبيع الفول بالقرب من جمعية الهلال الأحمر السوداني بشارع المك نمر وهو صاحب قديم له ويجلس الرئيس على البرش ويتناول وجبة العشاء مع سائر المواطنين*….
*على مثل اب عاج فلتبك البواكي*
Sami Sinada