لم ينل اي تنظيم نقابي أو حزبي او جماعة سياسية أو ثقافية مثلما نال تجمع المهنيين السودانيين من تأييد ورضا من أبناء الشعب السوداني خلال فترة اندلاع ثورة ديسمبر المجيدة وما تلاها من شهور فقد منح الشعب السوداني تجمع المهنيين السودانيين شيك على بياض ومفتوح القيمة يصرف منه كيفما شاء وأين ما شاء فقد رأينا كيف تخرج الخرطوم عن بكرة أبيها ومعها الولايات بمدنها واريافها استجابة لدعوة اتحاد المهنيين وجداوله الراتبة إبان ثورة ديسمبر الظافرة…..
منح الشعب صك التأييد المفتوح لتجمع المهنيين حتى أن التنظيمات السياسية والأحزاب الجماهيرية توارت خجلا خلف تجمع المهنيين واصبح لا صوت يعلو فوق صوت الناطقين باسمه وسارع الآلاف من مهني بلادي إلى تزيين صفحاتهم في وسائل التواصل الاجتماعي بشعار تجمع المهنيين بل ونشر أغلبهم عبارة تجمع المهنيين يمثلني تفاخرا بجسم لا يعلمون عنه غير تبنيه لشعارات الثورة فحتى قيادته كانت في الخفاء، جاء هذا التأييد منقطع النظير كفرا بنظام البشير ونقابات المؤتمر الوطني التي ظلت خصما على حقوق المهنيين ومطالبهم لأنها ببساطة كانت واجهات سياسية للمؤتمر الوطني في مؤسسات الخدمة المدنية وزراعه الباطشة بين العمال والمهنيين التي سلبت حقوقهم واهدرت مقدرات الحركة النقابية السودانية ذات الإرث النضالي الكبير …
لم يمنح الشعب السوداني تأييده لتجمع المهنيين ومكوناته اعتباطا بل كان ذلك التأييد وفق شعارات حملت اماني الشعب واحلامه في بناء دولة المواطنة التي يتساوى فيها الجميع ونبذا لسياسات نظام المؤتمر الوطني الشمولي الذي أقصى كل مكونات شعبنا العظيم وفق مبدأ من ليس معنا فهو ضدنا… منح شباب السودان وشيوخه تأييدهم المطلق لتجمع المهنيين وفق مبدأ واضح جسده شعار الثورة حرية سلام وعدالة والذي يلخص مبادي و قيم دولة المواطنة التي ينعم فيها كل مواطني السودان على اختلاف اعراقهم واديانهم و الوانهم و قبائلهم ولغاتهم و اقاليمهم بالمساواة في الحقوق والواجبات والحرية في المعتقد والتنقل و العمل والتنظيم وكذلك حرية الفكر و التعبير….
وهذا يعني أن تأييد شعبنا لتجمع المهنيين تأييد قائم على شروط محددة فهو عقد يسقط بسقوط شروطه أو الإخلال بها من جانب تجمع المهنيين…
ساد التفاؤل كل أبناء الشعب السوداني عقب انتصار ثورة ديسمبر المجيدة واقتلاع نظام البشير وخاصة بعد إعلان تجمع المهنيين عدم مشاركته في الفترة الانتقالية والاكتفاء بدور الرقيب علي حكومة الفترة الانتقالية فهو حارس الشعب الأمين على ثورته الوليدة ولكن سرعان ما بدا هذا الأمل في التبدد مع ترشيح احد ركائز التجمع بل هو أحد مفاوضيه مع المجلس العسكري وزيرا للتجارة والصناعة ويومها دافع أغلب المهنيين عن هذا الترشيح الذي حنث فيه التجمع بوعده ظنا منهم أن وجود الوزير الشاب في هذه الوزارة الحيوية ربما قاد البلاد إلى الانتصار في أهم معاركها التي اقعدت نظام الإنقاذ الا وهي أزمة الغذاء….
بكل أسف توالت الخروقات من قبل تجمع المهنيين لميثاق الجماهير فبدأ يتصرف بناء على الثقة الممنوحة له من قبل الشعب بصورة لا تتماشى وجسم نقابي يمثل العمال والمهنيين في الدولة فبدلا من الانتصار لقضايا العمال والمهنيين والرقابة على حكومة الفترة الانتقالية قفز تجمع المهنيين إلى قضايا خلافية من شأنها أضعاف حكومة الفترة الانتقالية بل وهزيمة الثورة و تقويض الحلم الديمقراطي من قبل الجسم الذي يفترض به حمايتها… فبدلا من دعوة الحكومة إلى إنجاز استحقاقات الفترة الانتقالية وفي مقدمتها الدعوة لمؤتمر دستوري و تهيئة البلاد للاستحقاق الانتخابي اخرج تجمع المهنيين بيانا كارثيا يدعو فيه إلى علمانية الدولة وليس مدنيتها التي ظللنا نهتف بها لأكثر من عام وشتان ما بين دولة المواطنة المدنية والدولة العلمانية ذات النسق الغربي البعيد كل البعد عن قيم المجتمع …
لا شك أن من حق أي مواطن سوداني أو أي جهة الدعوة إلى ما تؤمن به ولكن حسم طبيعة الدولة هذا أمر ليس من مهام النقابات و الاتحادات المهنية كما أنه ليس أمرا احاديا ينفرد به حزب أو جماعة فالكل يرى أن تجاوز هذا المطب يجب أن يحسم من خلال المؤتمر الدستوري الجامع و بمشاركة جميع أهل السودان…
ينبغي على تجمع المهنيين التراجع عن بيانه غير الموفق هذا والاعتذار عنه للشعب السوداني … لم تقتصر خيبات الشعب في تجمع المهنيين على البيان غير الموفق فسرعان من ظهرت على السطح الخلافات المتقيحة التي ظلت لفترة طويلة تنمو تحت جلد التجمع حتى لحظة بروزها للسطح عقب تجديد انتخاب سكرتارية التجمع والتي اتهم فيها قادة بارزين للتجمع حزب سياسي بعينه بالسعي للسيطرة على تجمع المهنيين عبر كوادره في الحزب في تجاوز صريح لقاعدة لكل واحد حزبه ولكن التجمع للجميع….
مثل هذه الممارسة بلا شك سوف تفقد تجمع المهنيين شعبيته وقدرته على تجييش الشارع السوداني كما كان في الماضي وببساطة لأن التجمع تجاوز بشكل صارخ التفويض الممنوح له وقفز فوق شعارات الثورة التي نال بموجبها هذا التأييد الكبير والذي تمتع به خلال الفترة الماضية… وهنا نحذر سكرتارية التجمع من أن الاستمرار في مثل هذه التصرفات الخرقاء سوف يسحب البساط من تحت أقدام التجمع لأن الالتفاف حول التجمع لم يتم عبر فكرة أو ايدلوجيا محددة بل تم الالتفاف حول شعارات الثورة وأولها الشعار الرمز حرية سلام وعدالة فليس من المنطق إهدار هذا التأييد والالتفاف الشعبي غير المسبوق بمناكفات حزبية لا رابح منها إلا أعداء الثورة ودعاة الحكم الشمولي فالعاقل من اتعظ بغيره ففي التاريخ عبر لمن يعتبر.
ودمتم سالمين
السماني شكرالله
الراكوبة