الموقف الشرعي من بيان تجمّع المهنيين حول فصل الدين عن الدّولة
الحمد لله الذي لم يخلق الخلق عبثاً، ولم يتركهم سدىً وهملاً، فأرسل الرّسل، وأنزل الكتب، وأحلّ الحلال، وحرّم الحرام، وشرّع الشرائع، وبيّن الأحكام.
والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ القائل: «إنَّ الله هو الحَكَمُ، وإليه الحُكْمُ» رواه أبو داود.
أما بعد؛
فقد أصدر تجمع المهنيين السودانيين بياناً قبل أيّام فيه دّعوة إلى العلمانية وفصل الدين عن الدولة، و يريد أن يفرض فكرةً مناهضةً للإسلام، ومصادمةً لنصوصه الواضحة الصريحة.
وإنّنا في الاتحاد السوداني للعلماء والأئمة والدعاة – نصدر هذا البيان؛ محذرين من خطورة ما صرّحوا به؛ حتى يستبين النّاسُ حقيقتهم.
فنقول وبالله التوفيق:
♦️أولاً:
إنّ دين الله دينٌ شامل لكل نواحي الحياة؛ صغيرها وكبيرها،
ينتظم حياة الفرد والأسرة والمجتمع والدولة؛ في السِّلْم والحرب والعلاقات الدولية، وهو صالح لكل زمان ومكان، و شرائعه مستقرةٌ ومستمرة.وكُلَّ نظامٍ أو مذهبٍ لا ينقادُ لأحكام الله ﷻ وتشريعاته، هو نظام جاهلي باطل يجب نبذه والتحذير منه فالمذاهب الفكرية التي تقوم على الدعوة إلى فصل الدين عن الدولة وعن الحياة، سواء كان فصلاً جُزئياً أم كُلِّياً؛ نحو ما يُسمَّى بالعلمانية أو الشيوعية؛ فيها اعتراض على رب العالمين ورد وجحودٌ وإنكارٌ واضحٌ صريح لحقِّ الله في الحكم والتشريع؛ قال تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [سورة الشورى: 21].
♦️ثانياً:
المناداة بفصل الدّين عن الدولة تكذيب لكلام ربِّ العالمين، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد؛ قال تعالى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [سورة الأنعام: 115]، أي: صدقاً في أخباره، وعدلاً في أحكامه؛ فمن كذَّب أخباره وجحد أحكامه وسخط شرائعه فقد ارتدَّ عن الدين، وكَفَر بالله ربِّ العالمين، وحبط عمله، وهو في الآخرة من الخاسرين، ليس له في الإسلام من نصيب، وإِنْ صَلَّى وصام وزعم أنَّه من المسلمين؛ قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمد: 8، 9]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26) فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ﴾ [محمد: 25 – 29].
♦️ثالثاً:
إنّ التحاكم إلى دين الله وشرعه قضيةٌ تتعلق بثوابت الدّين والمِلّة وهوّية الأمّة التي لامجاملة فيها ولا تهاون في شأنها، قال تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 65].
♦️رابعاً:
إنّ تبني تجمع المهنيين لقضية فصل الدين عن الدولة ليبين بوضوح اختطاف جهود الثوار؛ فإنه لا ينازع ذو عقل في أن الناس ما ثاروا من أجل الخروج على أحكام دين الإسلام ومحاربة تعاليمه!
وعليه:
فإنّ الاتحاد يحذِّر من هذه الدعوة التي تبنَّاها تجمع المهنيين، فهذا مسلك وعر يفضي بالعباد والبلاد إلى متاهاتٍ لا تُحمد عاقبتها.
ويجب وجوباً شرعياً علي كُلّ مسلم رضي بالله رباً مشرِّعاً حَكَماً، وبالإسلام ديناً وشريعةً أن ينفضَّ من حول هذا التجمّع المسمّى بتجمع المهنيين، الذي تبنَّى بوضوح الدعوة إلى العلمانية.
كما ندعوا الشعب السوداني المسلم إلى عدم التفريط في دينه، ومواجهة كل محاولات إبعاده بالحسم والحزم؛ إرضاءً للربّ جل وعلا، وإحقاقاً للحق، وإقامة للعدل، ورفعاً للظلم، ودفعاً للمصائب والبلاء عن البلاد والعباد، وطلباً للرحمات والخيرات والبركات من ربّ الأرض والسماوات.
والله الموفق والهادي الى سواء السبيل.
الأمانة العامّة.
الاتحاد السوداني للعلماء والأئمة والدُّعاة