مستفيدون من الحظر .. مصائب قوم

فرضت جائحة (كورونا) واقعاً مختلفاً على الكثيرين بسبب الحظر الشامل، ورغم تضرر كثير من القطاعات لتوقف أعمالهم، هناك من استفاد من الحظر الشامل وانطبق عليهم قول المتنبي (مصائب قوم عند قوم فوائد).

الحاج مضوي رجل في بداية العقد السادس من عمره، يأتي في الصباح الباكر متجولاً في شوارع الصالحة .بعد أن يعلو صوت (مايكرفونه) الموضوع في أعلى سيارته البوكس موديل (78)، فينطلق الصوت (سمك الخزان جابوه الآن) تتكرر هذه العبارة من خلال ذلك (المايكرفون) بصورة دائرية (أتوماتيكية )لأنها مسجلة بمكبر الصوت،، البوكس يمشي ببطء شديد كما السلحفاة بين الأحجار والصخور، وذلك ليتيح فرصة اللحاق به لكل من أراد أن يلحق ويشتري، بسؤالنا عن سر انتظامه للمربع في تلك الأيام يجيب الحاج مضوي إجابة لا تخطر على بال أحد فيقول، جئت من أجل الطماطم سعر الكيلو منها 200 جنيه وأنا أبيع كيلو السمك الطازج بمئة جنيه فلذلك لا يتردد أي شخص في شراء اثنين أو ثلاثة كيلو ،ويشير إلى أنه استفاد من إغلاق المطاعم والكافتيريات واستغل فترة إغلاقها لأنهم كانوا يصلون للصيادين على شاطئ النيل ويشترون كميات كبيرة، ولا يتركون إلا الفتات لباقي السوق مع ارتفاع سعره، إضافة إلى أن الرجال في ساعة الحظر يكونون موجودين بالمنازل لذلك عندما يسمعون كيلو القرقور 100 جنيه يهرعون للبوكس ويشترون كميات أكبر، مع العلم أن أصحاب المطاعم كانوا يشترون بأقل من هذا بكثير.

ويشير إلى استفادة ابنه الذي يبلغ من العمر 14عاماً الذي يقوم بتنظيف الكيلو بواقع 10 جنيهات.

*بوتيكات وكريمات*

يبدو أن أكبر المستفيدين من الحظر النساء والفتيات اللائي يعملن في (بوتيكات) الأحياء الشعبية وتحديداً في الكريمات ومستحضرات التجميل النسائية، وكانوا يضاعفون الأسعار ويستغلون الزبائن لدرجة جعلت الكثيرات من مرتادي تلك ا(لبوتيكات) يجأرن بالشكوى والاعتراض، صاحبة البوتيك تستغل الزبائن لأنها تعلم علم اليقين أن مستوع الكريمات بالسودان ومركزه الرئيس (سوق أم درمان) شيخ الأسواق قد أغلق تماماً بالضبة والمفتاح، ويقبع تحت الرقابة الأمنية اللصيقة من قبل سلطات النظام، وبذلك لن تتوفر للزبائن البدائل المناسبة، إلا أن صاحبة البوتيك لا تعترف بهذا لأنها تقول إن الأسعار تضاعفت بجانب ندرة المواصلات وغلاء مركبات الترحيل، حتى استسلم الجميع لقدر تلك البوتيكات، ووجدوا أنفسهم أمام خيارين لا ثالث لهما وهما إما أن تشتري أو أن تترك البضاعة دون مفاصلة. وذلك مع انعدام البدائل والمنافسين لذلك المتجر.

*المواصلات أُم الأزمات*

المستغلون والمستفيدون الأكبر وبصورة شبه دائمة طيلة أيام الحظر هم أصحاب الحافلات الصغيرة (هايس – كريز) . وبسبب منع التجوال وتحريم مرور السيارات. كسر بعض أصحاب تلك الحافلات هذا القانون فأصبحوا يرّحلون المواطنين من داخل الأحياء السكنية إلى أطراف الأسواق فقط دون الدخول في عمقها أو وصول محطة البص الأخيرة. حتى لا يصطدموا بالجهات الأمنية التي بدورها تتعسف في أغلب الأحيان في عقوبة ذلك السائق في تلك الحالات. خصوصاً إذا كانت الساعة متأخرة، أمّا أصحاب المركبات فقد كفروا بتعريفة الخط تماماً، بل يمكن أن يأخذوا الراكب في الذهاب بسعر وفي الإياب بسعر آخر مضاعف عدة مرات بحجة أنهم يشترون الوقود من السوق السوداء، وحتى يضمنوا عائدهم كانوا يحددون سعر تذكرة الراكب قبل الركوب، وعندما يوافق الّركاب على سعرهم وبالإجماع يقوم السائق بجمع أمواله منهم قبل أن تتحرك العربة من مكانها .

*ضربة العيد*

أحكمت السلطات الأمنية قبضتها على الأسواق الكبيرة في المدن الثلاث بصورة أكثر قوة وشكيمةَ، فاحتارت الأسر في كيفية شراء ملابس العيد لأبنائها، فتحرك عدد من التجار للأسواق الطرفية الصغيرة بالأحياء، لدرجة أن بعض المحال التي كانت تعمل في نشاطات تجارية أخرى غير الملبوسات تم تغيير نشاطها التجاري وتحويلها لمحلات ملابس وأحذية وكل مستلزمات العيد، حتى أن هنالك بعض محال المرطبات والكافتيريات والمطاعم تمت صيانتها وتحسينها لتتقبل ملابس العيد وتفتح أبوابها الجديدة للأسر، ومع ضيق الوقت وارتفاع حرارة الطقس في الأيام الأخيرة للشهرالفضيل وشح المواصلات إن لم نقل انعدامها، اضطرت الأسر للشراء من تلك المحال الجديدة في تلك الأسواق الطرفية بالأحياء وكانت الصدمة أن استغل التجار الضائقة وضاعفوا أسعار بضائعهم لدرجة أن (شبشب الحمام) وصل 400ج والسفنجة الاطفالية تم بيعها بـ 250ج في ظاهرة ربحية واستغلالية لم تسبق من قبل .

*من المحرر*

الملاحظ أن القاسم المشترك الأعظم في تلك الأزمة لتلك الحالات الواردة أعلاه . هو استغلال المواطن والمتاجرة بأزماته وإشكالياته دون التفكير في حل عُقدها وتذليل صعابها بصورة إنسانية أو حتى قومية، مما أوجد ذلك بيئة خصبة لضعاف النفوس لممارسة أدوارهم للوصول لأهدافهم الرخيصة، وذلك بسبب ضعف الترتيبات القبلية للحظر ودراسة ما يمكن أن يفرزه الواقع مع عدم دراسة المسؤولين لجوانبه بصورة شاملة ووضع التصورات والخطط البديلة، ولكني في نهاية التقرير وجدت أن هناك مستفيدين من الحظر بصورة إستغلالية حميدة وربما إنسانية ولمست ذلك عندما سألت وبدون عمق تفكير أحد الأطفال الصغار وقلت له بكل تلقائية ودون أن أتوقع شكل إجابته التي هزتني كثيراً فسألته من المستفيدون من ذلك الحظر ؟؟ فقال نحن . لأننا أصبحنا نرى ماما وبابا طوال اليوم.

الخرطوم: أبوسعاد
صحيفة السوداني

Exit mobile version