علمانية ولا اسلامية

كتبت تعليقا في واحدة من بوستات الاصدقاء قبل فترة تقريبا عن حرية التدين والعبادة في يوغندا . كتبت عن المسجد الذي يجاورني في منطقة بوكيسا وسط كمبالا ، صلاة التراويح في المسجد كانت ولا زالت بجزئين من القران ، يتم ختم القران في المسجد ثلاثة مرات في كل رمضان ، مرتان في التراويح و ثالثة في التهجد … رغم طول الصلاة الا ان المسجد دائما مكتظا بالشباب ، لطلاوة قراءة الامام الشاب العشريني لا تحس ابدا بالملل …
المسجد كبير و بفتح في شارعين متوازيين ، كلاهما يكتظ بالبارات و فنادق الدعارة ، هذه البارات تظل خاوية تستجدي الزبائن ، و المسجد يكتظ بالشباب من اليوغنديين و الصوماليبن و السودانيين و الارترين .
كنت اظن نفسي محظوظا لانني دائما استأجر منزلا بالقرب من مسجد او عدة مساجد . لاحقا اكتشفت ان المساجد هي التي تنتشر في كل بقعة من البلاد . تجد المساجد في قرى صغيرة لا تتجاوز الخمسبن منزلا …
لاحظت ان الكنائس ايضا منتشرة بالقرب من المساجد ، و هي ايضا مكتظة بالمصليين ايام السبت و الآحاد ، يتعايش الجميع في احترام متبادل ، المسيحي يحترم المسلم و يعامل المسجد كانه كنيسته و كذلك يفعل المسلم ، وكذلك اصحاب الديانات الافريقية المحلية يمارسون طقوسهم بحرية دون ان يحجر عليهم احد .
الحرية الشخصية مكفولة للجميع و بدون حدود ، لكن تتحدد عندما تزعج بها غيرك او تؤذيه .. قضيت اكثر من عشرة سنوات لكنني ابدا لم اقابل سكران يقع و يقوم … نسبة المسيحين هي الغالبة ، لكن العشرات يدخلون في الاسلام افواجا يوميا . و بعض المسلمين لا يتجاوز اسلامهم الاسم و جلباب الجمعة ….
اجهزة الدولة و اعلامها تقف على الحياد من الديانات المختلفة . المسلمون لديهم عشرات الاذاعات القومية و المحلية و كذلك المسيحيون ….
في المسالخ و في كل انحاء البلاد ، بل في كل دول شرق افريقيا يمنع منعا باتا ان يذبح غير المسلمين ، لان المسيحي و الا ديني ياكلون ذبيح المسلم . لذا يضطر غير المسلم ان يبحث عن شخص مسلم كي يذبح له ان كان له مطعم او يبيع اللحوم ، على بائع لحوم الخنزير ان يكتب ذلك في مكان بارز و بخط واضح ….
لم احس ابدا بانتقاص في عبادتي طيلة الفترة التي اكون فيها هناك . بل المسجد الذي يجاورني في السودان يصلي التراويح في عشرة دقائق فقط ، و يهاجر اليه الكثيرون ليصلوا فيه ، لقلة الزمن الذي يضيعونه في الصلاة !!! …
انا شخصيا لا يضيرني ابدا ان كان نظام الحكم في السودان اسلامي او علماني ، بقدر ما تهمني القيم الاساسية المتمثلة في العدالة و المساواة و الحكم الراشد ….
وان كان هناك استفتاء بين نظام الحكم فسأختار علمانية الدولة التي تقف على مسافة واحدة تجاه كل الاديان و الثقافات كما هو الحاصل في كل دول افريقيا و العالم …
لكنني بالمقابل ارفض رفضا باتا ان يتم فرض هذه العلمانية من عدد قليل من المواطنيبن حتى لو كنت منهم ، لان ذلك يتنافى مع قيم الديمقراطية التي ننادي بها ، مسألة علمانية او اسلامية الدولة هي افكار هلامية تحاول قلة من النخب اليمينية أو اليسارية السيطرة بها على الحكم و على البسطاء …
ما يهمني كمواطن هو التنمية و مستوى الخدمات التي توفرها لي الحكومة ، و ما عداه لا يتجاوز ان يكون صراع نخب و مثقفين يريدون فرض افكارهم علينا بقوة السلاح او بقوة السلطة …
نظام الحكم (علماني اسلامي مدني) يطرح عبر برلمان منتخب و يستفتى عليه الشعب و هو الذي لديه الحق ان يقول كلمته .
الذين ينادون بأي نوع من انظمة الحكم مطالبون بترك الكسل و توضيح ماهية ما ينادون به للمواطن البسيط ، بدلا عن تبسيط الامر بان النظام الاسلامي يعني عودة الكيزان و جلد النساء في الطرقات ، او ان العلمانية تعني عودة البارات و بيوت الدعارة حسب ما يخوفنا به الطرف الاخر … عدد لنا مزايا ما تنادي به ، وليس مساوي ما تعارضه …
دعوا الشعب يختار ما يريد حسب ما جاءت به الثورة ، فالشباب الذين انجزوا هذه الثورة العظيمة قادرون على اختيار ما يناسبهم و يناسب عصرهم وفقا لمعطيات واقعهم الاجتماعي ، فقط اعطوهم فرصة ان يختاروا بعيدا عن الوصاية الفارغة التي يدعيها البعض ….
سالم الامين بشير / يونيو 2020

Exit mobile version