نشأت في بيت من بيوت الحركة الإسلامية، إلاتجاه الإسلامي، الجبهة الإسلامية القومية أو (الكيزان) كما يسموننا اليوم.
جمعتنا جلسات التلاوة والتفسير مع والدي وأخوي، ترعرعنا في (ظلال القرآن) و(مأثورات) البنا، تجولنا في (رياض الصالحين)، وتدارسنا (منهاج
المسلم) ولطالما اسرت مخيلتنا سيرة (رجال حول الرسول).
كان والداي يجلسان معا ويتدارسا الكتب والآيات، وسائر حديثهما حول شأن المسلمين وهمومهم، لا أذكر أني سمعتها يتحدثان بسيرة شخص غيبة أو نميمة. ولطالما هدهدتنا أمي بصوتها العذب (مسلمون مسلمون) و (أخي أنت حر).
سافرنا كثيرا وكانت بيوت الإخوان هي قبلتنا حيثما توجهنا . دائما يحمل ابي في يده قصاصة فيها عنوان أخونا فلان فيستقبلنا في داره بحفاوة بالغة إلى أن يستقر بنا المقام. كان الاخوان وما زالوا أهلي واحبتي وال ودي. لا أنسى حلقات تلاوتهم وجلساتهم. رزانتهم، وضاءة وجوههم وبياض ثيابهم. صفهم المرصوص ابدا للصلاة.
عدنا إلى السودان بعد ثورة أبريل في ذات الظروف التي تحدث الان، ففوجئت كطفلة نشأت في مجتمع الحركة الإسلامية بذات الهجمة الشرسة والعداء الذي يواجهه اليوم الإسلاميون.
كنت الوحيدة التي ترتدي الحجاب في المدرسة، وواجهت تنمرا هائلا في بداية الأمر خاصة من المعلمات اللاتي كن يسخرن من حجابي، وفي الطريق إلى المنزل لم اسلم من السخرية
والكلمات الغريبة (كوزة)، (قندول العيش) ?… كان الطريق إلى المدرسة كابوسا حقيقيا. لدرجة أنني كنت أسأل أمي دائما : هم ليه بيعملوا كده، الناس ديل مسلمين؟؟!! كنت أظن أن كل المسلمات يرتدين الحجاب.
المهم أنه في آخر الأمر ارتدت كل التلميذات في صفي الحجاب، ألا طالبة واحدة التحقت بالركب في المرحلة المتوسطة.
فما الذي سيجعلني اليوم اتخلى عن هويتي الفكرية واسلاميتي وإخوتي
، وقد تمسكت بها وإنا بعد طفلة. وهذا ينطبق على كل إسلامي يأبى أن يطأطي
رأسه ويسقط رأيته.
لن ينكسر الإسلاميون الحق، لن يتبرأوا من ماضيهم سيتحملون مسئوليته
كاملة، سيبلغون الرسالة. فهذا العشق يسري فيهم مسرى الدم في العروق. وما يجمعهم أكبر من أن ينسى، ما بينهم أخوة المسجد والمصحف والسجون والخندق والجراح.
ما يجمعهم حلم لا يغيب برضا الله والجنة وعهد مع الشهداء والشيخ الإمام. وهم في ذلك بشر يصيبون ويخطئون. إلا أنهم في كل ذلك ملح هذه الأرض وصفوة أجيالها.
هم أمل السودان أبدا لدولة الحق والخير والجمال، ولتعلمن نبأه بعد حين ?
د/مروة عبدالمنعم أبوبكر
أخصائية النساء.والتوليد