قيل ان مجموعة من الهنود الحمر سألوا شيخ قبيلتهم ان كان البرد سيكون قاسيا هذا الشتاء فاجابهم انه يعتقد ذلك ..فسارعوا الى جمع حطب للتدفئة..ومن ثم بدا للشيخ ان يتاكد من ظنه فقام بالاتصال بهيئة الارصاد متسائلا عن الشتاء فأجابوه انه سيكون باردا جدا ..ذهب الشيخ الى افراد قبيلته وطالبهم بجمع المزيد من الحطب لأن الشتاء سيكون باردا جدا جدا ..بعد ايام اتصل الشيخ بالارصاد وسألهم عن الشتاء فقالوا انه سيكون شتاء قارسا لم يمر عليهم من قبل عقود ..هنا سألهم الشيخ من اين يستمدون معلوماتهم؟ ..فقالوا انهم لاحظوا ان قبائل الهود الحمر تجمع الحطب بكثرة ..لذلك لابد للشتاء ان يكون باردا.
(المتعلمين ..اولاد المدارس )..يذهبون كل يوم الى مدارسهم ..وعند عودتهم الى منازلهم ينزلون علومهم مع حقابئهم ويهرعون الى المتوارث من الفعل والقول و(هكذا وجدنا اباءنا)..الامر كنت اظنه (سوداني وخليك سوداني ) حتى قرأت قصة الهنود الحمر فعرفت ان الامر عالمي ..وربما كان في الجينات الانسانية وكدا ..لذلك كان السؤال الذي يطرح نفسه بالضرورة متى يستفيد المتعلم ابن المدارس من علمه وينزله الى ارض الواقع في حياته ؟..فيصير داعية للوعي والاستنارة في مجتمعه ويستطيع حمل لواء التغيير من الداخل….متى ؟
كلما تنامى الى سمعي نبأ قبيلتين اقتتلتا ..وفقدنا جراء ذلك ..ارواحا وانفسا غالية على اهلها والبلاد ..اتت الفكرة التالية الى ذهني .. اين هم المتعلمين اولاد المدارس من هذا الامر ؟ اين دورهم في نشر الوعي وثقافة السلام والتعايش مع الغير ؟ لماذا يلبس احدنا ثوب المثقف الراقي الذي يحترم خيارات الآخرين في الدول الاخرى ..تجده يتعايش مع كل الثقافات ومختلف التيارات الفكرية ..ولكن عندما يعود الى أهله ..يخلع تلك البدلة على اطراف الحي الذي يسكنه ويصير على ذات الكفة مع ذلك الذي لم تتاح له فرصة التعلم ؟؟ لماذا نظل نعتقد ان العلم مكانه فقط اماكن العمل وينتهي عندما نطفئ مصابيح المكتب ونعود ادراجنا إلى بيوتنا ؟ العلم والثقافة ان لم تتنزل على واقع الأرض وتصير سلوكا واستنارة ..يبقى لا حاجة لها ويصير المثل صادقا ..(ان القلم مابزيل بلم)…
ان كنا نظن ان الامر بيد الحكومة وحدها ..فاننا واهمون ..هيبة الدولة لا تكون ببسط القوة وبطش السلاح ..وانما الهيبة بنشر الوعي بين الناس ..بان الوطن للجميع ..مع اختلاف السحنات واللهجات ..ولعل الجميع لاحظ وتابع عقودات السلام الهشة التى يتم خرقها قبل ان يجف المداد الذي كتبت به ..فالامر لن ينتهي حتى لو تم عزل المناطق المشتعلة عن بعضها البعض ..فالاحتقان في النفوس لا يزال موجودا ..وهناك اياد خفية تحركه لمصالحها ..وان لم يتم تدارك ذلك الامر بسرعة ..فالكارثة قادمة ..وحينها سيعم الشر ولن يتوقف في حدود كسلا او بورتسودان …او قرى الجزيرة ..او أطراف الخرطوم ..ستطال النار الجميع ..وسيكون الندم حيث لا ينفع الندم ..ولن تجدي كلمة يا ليت .
انشروا الوعي بين اهليكم ..ردوا الجميل لاولئك الذين اقتطعوا من قوت يومهم وارسلوكم للمدارس وللجامعات ..انشروا الوعي وثقافة السلام والتعايش وحق الجميع في الحياة بكرامة ..هذا هو خلاصة العلم ومنتهاه ..وليس اي شئ آخر من مظاهر الدنيا الزائلة ..يا متعلمين يا اولاد المدارس.
ناهد قرناص
الجريدة