مسؤولية آذان التلفزيون !

* على خلفية بث التلفزيون لآذان المغرب قبل موعده فى احد ايام الشهر المبارك الأمر الذى ترتب عليه إفطار عدد كبير من الصائمين قبل موعد الإفطار بحوالي عشرة دقائق وإثارة موجة عارمة من السخرية والانتقادات ضد التلفزيون، اصدر مدير الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون (لقمان أحمد ) قرارا بتاريخ 28 / 4 2020 قضى بإنهاء خدمة المخرج التلفزيوني (محمد داؤود كودى)، ولقد حمَّل القرار الذى استند على المادة 53 / ب من قانون العمل المسؤولية لـ(كودى) الذى حدث البث خلال ورديته المسائية يوم 26 / ابريل/2020.

* لا بد أولا من التأكيد على منهج محاسبة المخطئ مهما بلغ شأنه، ولقد تضررنا كثيرا كسودانيين تنتشر بيننا ثقافة العفو والجودية والوساطة بشكل ممجوج، من عدم محاسبة المخطئين لدرجة انه صار من النادر جدا ان نسمع بمحاسبة مخطئ، وكثيرا ما انتهت اللجان التي تتشكل لمحاسبة المخطئين الى فراغ، وصار عدم المحاسبة هو القاعدة في بلادنا والثقافة المعتمدة سواء في حياتنا الخاصة او العامة، بالإضافة الى تفشى ظاهرة التعاطف مع المخطئ والتوسط للعفو عنه بشتى السبل والسخط على الشخص الذى يصر على التمسك بالعقاب وإلصاق كل الصفات السيئة به أقلها (إنو زول فقرى)، مما أدى لانتشار الأخطاء والمفاسد وتكرارها في كافة المجالات في بلادنا حتى صارت حياتنا كلها أخطاء، وهو أمر لا بد من وضع حد له إذا اردنا تصحيح المسيرة والسير في الطريق الصحيح، وبالتالي فلا بد من الإشادة من حيث المبدأ بالنهج الذى اتبعه الأخ (لقمان أحمد) بالمعاقبة على الخطأ !

* ولكن هنالك هنات قانونية وإدارية في معاقبة المخرج (كودى) لا بد من الإشارة إليها:

أولا، إن القانون الذى استند عليه مدير الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في معاقبة المخرج ليس هو القانون الصحيح، حيث نصت المادة 3 / هـ من قانون العمل لسنة 1997 على استثناء العاملين في الحكومة القومية وحكومات الولايات والهيئات والمؤسسات العامة وشركات القطاع العام من تطبيق القانون، وبما أن الإذاعة والتلفزيون هيئة عامة، فإن القانون لا ينطبق على العاملين فيها حتى لو كانوا يعملون بعقود مؤقتة او خاصة، وإنما ينطبق عليهم قانون محاسبة العاملين بالخدمة القومية المدنية لعام 2007 الذى يندرج تحته العاملون في الهيئة للعامة للإذاعة والتلفزيون باعتبارها هيئة قومية، بالإضافة الى قانون الهيئة السودانية لإذاعة والتلفزيون لسنة 2001 ، ولقد حدد الأول طرق المحاسبة ومن ضمنها المحاسبة الإيجازية والسلطات الممنوحة لرؤساء الوحدات والمصالح ..إلخ في محاسبة العاملين، كما يمنح المخطئ فرصة الدفاع عن نفسه قبل صدور قرار معاقبته!

* إذا نظرنا الى القرار الذى اتخذه مدير الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون ضد المخرج (كودى) نجد أنه معيب قانونا لاستناده على قانون العمل لعام 1997 الذى لا ينطبق على العاملين بالإذاعة والتلفزيون، وحتى لو افترضنا أن المحاسبة الإيجازية استندت على قانون محاسبة العاملين بالخدمة القومية المدنية لعام 2007 نجد أنها تخالف القانون أيضا لعدم إعطاء (كودى) حق الدفاع عن نفسه شفاهةً أو كتابةً، كما تنص المادة 12 (إجراءات المحاسبة الإيجازية) من القانون .. هذا من ناحية قانونية!

* من ناحية إدارية فإن الخطأ الذى وقع بإذاعة التلفزيون لآذان المغرب قبل الموعد المحدد مسؤولية مشتركة بين المخرج ووحدة المونتاج، حيث جرت العادة ان تقوم وحدة المونتاج برفع المادة المراد بثه جاهزة ومعنونة وموضح عليها الاشياء التى تحتوى عليها (إعلانات ، آذان، تسجيلات غنائية ..إلخ)، ولقد قامت وحدة المونتاج في يوم 26 / 4 / 2020 الذى وقع فيه الخطأ برفع المادة مكتوب عليها (إعلانات) فقط بدون أن يكون مكتوبا عليها (إعلانات + آذان)، وهو ما أدى لأن يقوم المخرج ببثها على اساس أنها اعلانات فقط بينما كان من ضمنها آذان المغرب وحدث ما حدث، ولهذا فهي مسؤولية مشتركة بين وحدة المونتاج والمخرج، فلماذا يُحاسب عليها المخرج فقط ؟!

* وإذا افترضنا أن الأستاذ (لقمان) عمل بمبدأ محاسبة الشخص المسؤول مباشرة عن الخطأ، فكان من المفترض أن يشمله الحساب باعتباره مدير التلفزيون والمسؤول الأول والمباشر أمام المشاهدين !

زهير السراج
الجريدة

Exit mobile version