عادة ما تشد القارئ الكتابات البسيطة والتلقائية القريبة من نبض الشارع، العاكسة لواقع حالنا اليوم، وهو ما وجدته في أحد البوستات الخفيفة وزنا وكبيرة معنى ورسالة واضحة شفافة للجميع، ولم أتمكن للأسف من معرفة كاتبه، ولكني آثرت الإستعانة به مع بعض التعديل لتقريب المشكلة الحقيقية التي نعيشها اليوم والتي من شأنها إعادتنا للوراء بسرعة إن لم نتداركها ونسعى لمعالجتها جذريا. الكاتب الساخر أورد حديثه بلغة دارجة بسيطة:
(في شريحة كبيرة من الناس البسطاء في الشارع مفتكرين الحكومة دي حقت شيوعيين، والشيوعيين شايفين دي حكومة هبوط ناعم، وجزء منهم شايفنها حكومة متواطئة مع الكيزان، والكيزان ذاتهم شايفنها حكومة شيوعيين ويساريين.
وناس الحركات المسلحة شايفنها حكومة مركز، وناس كتيرين من المركز والشمال شايفنها حكومة هامش، وناس شايفنها حكومة عميلة للإمارات والسعودية، والإمارات والسعودية ذاتها نطت من دعم الحكومة بالوقود والقمح.
وناس شايفنها حكومة بنك دولي والبنك الدولي ذاتو شايفا حكومة غير مستوفية لشروطه لذلك لم يقدم لها قروض، وفي ناس شايفنها حكومة رأسمالية، وأمريكا أم الرأسمالية ذاتها ما عاوزة تشطب إسم السودان من قائمة الإرهاب.
كثير من الثوار شايفنها حكومة احزاب، والأحزاب نفسها ما راضية عنها وشايفنها حكومة تكنوقراط فاشلة، والعسكريين شايفنها مدنية لن تقدم ولا تؤخر، ويجب عليهم المحافظة على هيبة الدولة ولو جاء ذلك على حساب معاكستها حتى تتقدم بإستقالتها، والمدنيين شايفنها عسكرية، وشايفين فيها مكر ولؤم العسكر، همها إفشال الحكومة المدنية لتعود لهم السيطرة من جديد.
الكيزان عاوزين يسقطوها ثأرا وردا للإعتبار، وإستعادة السلطة والعز والنعيم والمنجهة، وفي بعض الثوار رغم الإجتهادات شايفنها لم تسقط بعد وعاوزين يسقطوها برضو).
بإختصار شديد هنا تكمن أزمة السودان، لم تشفع لنا عظمة الدور التكاملي الذي قام به الجميع بلا إستثناء، ولم تشفع لهم دماء الشهداء التي جفَت دون أن تجد العدالة الكاملة ولا حتى (التسوية) السياسية والإجتماعية التي تريحهم في قبورهم بأن ما خرجوا لأجله قد تحقق في وجود وطن يسع الجميع.
وبذات اللغة البسيطة الدارجة نقول: مشكلة الشعب السوداني الكبيرة إنه (كل الشعب السوداني يتعاطي سياسة)، يفهم في كل شئ وينظَر في كل شئ، الناس كلها بتتكلم في وقت واحد، مافي واحد بسمع للتاني، طيب من وين لينا بالحلول؟
المهم الناس عشان تطلع من الازمات دي، أهم شئ تخت الرحمن في قلبها، وكل زول يتكلم حسب فهمه وتخصصه، الناس تبدأ تنتج، ناس الزراعة عليهم بالزراعة، وناس الصناعة عليهم بالصناعة، مهم جدا تترتب الأولويات، والوزير يعرف إنه موظف، آخر الشهر بنتظر ماهيته، ماعنده أي حاجة خلاف الحوافز المقننة حسب اللوائح، ومابيقدر يلعب في الميزانية ذي ما كانت بتعمل الحكومة الفاتت بالتجنيب اللي أنهت بيهو الخدمة المدنية.
لو الوزير أو السفير أو أي موظف دولة عاوز يشتري عربية بديلة لي عربيته الحالية، أو يشتري أدواته المكتبية من القلم لحدي الكرسي، ما عنده طريقة يشتري بواسطة مدير مكتبه أوالسماسرة، الشراء لابد يتم عبر الطرق الرسمية، وتحديدا الجهاز الحكومي المسئول عن توفير العربات وصياناتها والتخلص من الفائض، يعني (النقل الميكانيكي والمخازن والمهمات) لازم ترجع مرة تانية وتكون هي الباب الوحيد للوزارات والمؤسسات الحكومية للتزود بإحتياجاتها، عشان نضمن قفل باب الفساد اللي دمر الخدمة المدنية.
في النهاية محتاجين نعرف انه بلدنا دي حقت الجميع ومافي واحد عنده فيها أكتر من التاني، من حق أي إنسان بطالب بحقوقه، وفي نفس الوقت لازم يعرف انه عليهو واجبات برضو.
لو كل زول إشتغل على أساس إنه السودان ملك حر أو حكر لفئة معينة او حزب معين او جماعة بعينها، يبقى على البلد السلام.
هنادي الصديق
الجريدة