ملخص:
فوجئ الرأي العام السوداني في التاسع من فبراير الماضي عندما تناقلت وسائل التواصل الإجتماعي خطاباً ممهوراً بتوقيع رئيس الحكومة الإنتقالية يطلب فيه من الأمم المتحدة التفويض لتشكيل بعثة أممية لدعم السلام في السودان على أن يكون نطاق عملها هو كل السودان، واشتمل الطلب على عدد من الطلبات ستكون من مهام البعثة، وهي : دعم تنفيذ الوثيقة الدستورية، وتوفير الدعم بالمساعي الحميدة لمفاوضات السلام خصوصاً في مدينة جوبا، والمساعدة في التعبئة للمساعدات الاقتصادية الدولية، تقديم الدعم التقني في وضع الدستور، والمساعدة في توطيد المكاسب في دارفور خلال جهود بناء السلام، وتقديم المساعدات الإنسانية والاضطلاع بالمبادرات الإنمائية، وبسط سلطة الدولة مع زيادة التركيز والمشاركة في النيل الأزرق وجنوب كردفان، بالإضافة إلى دعم إعادة النازحين واللاجئين إلى مناطقهم وإعادة دمجهم، والعدالة الانتقالية، وحماية المدنيين وهيكلة قوات الشرطة .
و قد تعرض بسبب هذا الأمر لتقريع شديد من مختلف أطراف العملية السياسية بشكل علني و خاص وتم اتهامه بالخيانة والعمل على تقسيم السودان من البعض بينما اتهمه البعض الآخر بالذكاء والمكر بالمجلس العسكري وسوف يناقش هذا البحث خطوة حمدوك وما قد تسببه من ارتباك في الوضع السياسي و تحاول الإجابة على سؤال هل هي فعلاً إستعمار جديد أم أن هذا الوصف هو مبالغةٌ لأغراض سياسية .
ما بين الحق و العدل و القانون :
قبل أربع قرون من ميلاد السيد المسيح عليه السلام في بلاد الإغريق اندلعت حرب عنيفة ما بين المدن اليونانية، البداية كانت مع (أثينا) و (اسبارطة) ثم ما لبثت المدن والبلدات والجزر أن انحازوا إلى أحد الطرفين المتصارعين سوى جزيرة (مينوس) التي اختارت الحياد و عدم التورط في سفك دماء اليونان لكن (أثينا) لم تقبل منهم ذلك ولا (اسبرطة) و هاجمتهم أثينا و حاصرت جزيرتهم مطالبين إما بدفع الجزية أو الإنخراط معهم في الحرب أو الموت و لكنهم بلغوا وفد أثينا المفاوض أنهم جزيرة صغيرة وضعيفة وهم لا يريدون الحرب فليس من العدالة ما تفعله أثينا معهم فأجاب الأثنيون أهل الجزيرة بجملة خلدها المؤرخ الإغريقي ثيوكيديس : ( لا يوجد الحق إلا بين الأقوياء أما ما بين الضعفاء والأقوياء ينتزع الاقوياء ما في وسعهم، يذعن الضعفاء كما عليهم) و دخلت أثينا جزيرة ميلوس و ذبحت أهلها بخيانة بعضهم .
و من هذه القصة انتزع مبدأ مهم في علم القانون و العدالة : ( لا يسيطر القانون إلا بين قويين أو بين ضعيفين، فإن تفاوتت القوة فالقانون هو القوة )
و هذا المبدأ المتناقض مع الفطرة البشرية و الشرائع الدينية و خصوصاً شريعة الإسلام هو ركيزة النظام القانوني الأمني الدولي ما بعد الحرب العالمية الثانية فما تقرره الدول القوية دائمة العضوية في مجلس الأمن من غايات ومصالح وتتفق عليه ينفذ ولو كان مناقضاً بشكل فج للعدالة، ونصوص القانون الدولي ما وضعت إلا لتفسير وحماية مصالح هذه الدول الكبرى، أما الدول الضعيفة فليس لها سوى الإذعان والقبول حتى لو كان في هذا الإذعان و القبول هلاكها و ذبح أبنائها كما كان حال (مينوس) في القصة الإغريقية سالفة الذكر .
عدالة الرجل الأبيض :
انهارت عصبة الأمم مع الأجواء التي سبقت الحرب العالمية الثانية بسبب عجزها البائن في فرض ترتيبات أمنية عالمية لاحتواء النزاعات والحروب وكانت الأزمة الحبشية الإيطالية في 1935م عندما قامت إيطاليا الفاشية بغزو عدواني من مستعمرتها إرتريا لجارتها الحبشة العضوة معها في المنظمة بسبب خلاف حدودي، ووسط تجاهل كامل لقرارات عصبة الأمم التي دعمت الحبشة أعلن مندوب إيطاليا في عصبة الأمم أن الحبشة غير جديرة بالدخول معها في صفقة للحل بسبب عدم كفاءتها لعقد أي اتفاق و عجزها عن احترامه وكانت هذه الحادثة نهاية عصبة الأمم سياسياً بعد عجزها عن إنصاف دولة ضعيفة كالحبشة أمام دولة أوروبية فبريطانيا و فرنسا لم يكونان يريدان أن يرسلا جنوداً من أجل الحبشة فتركوها لمصيرها و أرسلوا لموسيليني بإقرارهم على ما في يديه من الحبشة مقابل عدم تحالفه مع عدوهم أدلوف هتلر مستشار ألمانيا .
قصة جيش الأمم المتحدة :
تكونت الأمم المتحدة بعد الحرب و أنشأت جملة من المؤسسات أهمها مجلس الأمن الدولي و تفتقت أذهان مؤسسيها لبناء ما سمي بالقوات الأممية الدولية أداة لتنفيذ قرارات هذا المجلس بما لا يتعارض مع مفهوم السيادة الوطنية للدول المستقلة، كانت قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام تُنشر لفض النزاعات بعد تلقي دعوة من الحكومة المضيفة، وموافقة جميع أطراف النزاع وبذلك ترسل المنظمة الأممية قواتها بعد التوصل إلى تسوية لحل النزاع، أو وقف إطلاق النار بشرط عدم اعتراض أي من أعضاء مجلس الأمن الدولي، لأنه المسئول عن قرار نشرها، وقد كان التدخل العسكري في قناة السويس عام 1956م هو أول تدخل مسلح لهذه القوات لتأمين انسحاب البريطانيين و الفرنسيين و الإسرائيليين بعد فشل العدوان الثلاثي على مصر .
كان تدخل القوات الأممية مقصورًا على المناطق التي ليست مجالًا للتنافس بين الشرق والغرب، حيث كان لقوات حفظ السلام مهام محددة أثناء الحرب الباردة. وفي حين ساهم وجود تلك القوات في العديد من المناطق في منع تفاقم بعض الصراعات، لكنه لم يستطع إنهائها، والصراع العربي الإسرائيلي المثال الأشهر فرغم وجود قوات حفظ السلام استمرت الحروب ما بين الكيان الصهيوني و مصر و سوريا و لبنان .
و في عالم ما بعد الحرب الباردة و نظام القطب الأمريكي الواحد تغير الدور الذي تلعبه قوات الأمم المتحدة فلم تعد قوات حفظ سلام بين دول متحاربة، فمع تقلص النزاعات الحدودية ما بين الدول وتثبيت الحدود الوطنية تحولت قوات الخوذ الزرقاء إلى لعب أدوار تتنافى مع مبدأ سيادة الدول الوطنية لصالح الدول الخمس دائمة العضوية خصوصا الولايات المتحدة الأمريكية .
قوات الأمم المتحدة ( الخوذ الزرقاء ) باتت تأتي بدون دعوة من الدول و رغما عنها بهدف التدخل لوقف إطلاق النار في الحروب الأهلية والفصل ما بين الأطراف المتنازعة في اتجاه تحقيق مصالح الدول الكبرى خصوصاً أمريكا وباتت تلعب أدوار تتضمن إقامة الإنتخابات واستفتاءات والإشراف عليها، ومراقبة أوضاع حقوق الإنسان، وإعادة توطين اللاجئين، وتدريب قوات الشرطة، وتأمين وصول الإمدادات الغذائية والمساعدات الإنسانية، وقد جعلت هذه الأدوار تصنيف بعض القانونيين والسياسيين هذه القوات أنها النمط الجديد من الإستعمار الأوروبي .
فخلال ثلاثين عاماً من نهاية الحرب الباردة تدخلت القوات الأممية (55) مرة حول العالم بشكل ناجح و هي منتشرة الآن في 15 موقع حول العالم ما بين قوات مراقبة وقوات حفظ سلام وردع بميزانيات ضخمة وبأسلحة متطورة! وبالتأكيد ما تفعله من تدخلات هي ليست من أعمال البر والإحسان وخالية من الأجندة، فالدول الأوروبية وأمريكا التي تبحث عن تقييد أو تخفيف تمويلها لمنظمة الصحة العالمية في ظل جائحة الكورونا تعمل على زيادة حصتها من تمويل هذه القوات !
السودان و الخوذ الزرقاء :
في عام 2002م اندلعت الحرب الأهلية في إقليم دارفور وخلال عامين وصلت إلى الذروة وتحت ضغوط دولية وافقت الحكومة والحركتان المعارضتان الرئيسيتان (حركة العدل والمساواة و حركة تحرير السودان) على وقف إنساني لإطلاق النار بعد بروز أزمة اللاجئين حيث نزح 1.6 مليون مواطن من مناطقهم نزوحا داخلياً وتدفق 200 ألف من اللاجئين نحو دول الجوار فتم نشر قوات الإتحاد الإفريقي كمراقب لوقف إطلاق النار، ولكن تصاعدت الأحداث وتجددت الحرب، وتزايدت ضغوط الإعلام الدولي، ما تسبب في مزيد من تدخل المجتمع الدولي في الأزمة عبر استخدام الإتحاد الإفريقي الذي قام بإرسال أعداد أكبر من القوات في الإقليم، وتم استغلال اتفاق أبوجا الذي تم عام 2006م لنشر مزيد من القوات الإفريقية العسكرية التي تجاوز عددهم الآلاف، ورغم كل هذه القوات التي قيل أنها جاءت لحفظ السلام لم يتم وقف الحرب وازدادت الحصيلة دموية وبدأت ضغوط دولية لنشر قوات أممية تحت الفصل السابع لحماية المدنيين ومع تهديد أمريكي أوروبي بفرض مناطق حظر جوي على الإقليم وهو ما أقلق النظام السابق من النوايا الحقيقة من هذه القوات وخشية من تكرار تجربة المنطقة الآمنة شمال العراق التي تحولت لما يشبه الدولة المستقلة باسم إقليم كوردستان العراق أعلن رئيس النظام السابق رفض القوات الدولية الأممية معلناً عن استعداده ليقود جهود مقاومة هذه القوات وهذا بعد فوات الأوان ولكن لأن مبدأ سيادة الدول مصان لم تستطيع الدول الغربية نشر القوات الأممية و أعلن رئيس النظام السابق عن حملات واسعة ضد الحركات المسلحة التي رفضت اتفاق سلام أبوجا، وبسبب هذه العمليات وافقت الدول الغربية على بقاء قوات الإتحاد الإفريقي بعد تهجينها بجنود من الأمم المتحدة كحل وسط لإقناع الحكومة السودانية التي لم تثق سوى بالقوات الإفريقية، وتمت الصفقة ووافقت الدول الغربية على مطالب الحكومة السودانية بأن تكون القوات التي يتم نشرها ذات طابع إفريقي واضح إن لم تكن إفريقية بالكامل وستكون الأمم المتحدة مهتمها الرئيسية عن الدعم والتمويل والتوسط ما بين الحكومة والمتمردين .
تمت الموافقة على عملية حفظ السلام المشتركة / المختلطة مع اليوناميد بالإجماع في عام 2007 من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بموجب القرار 1769.
و بعد اتفاق الدوحة 2011 تم تخفيض حجم قوات اليوناميد، وبعد مرور عشر سنوات على نشر القوات تهربت الأمم المتحدة من سحب هذه القوات رغم التكلفة المالية الكبيرة وأصرت على إبقائها وسط رفض من الحكومة السودانية.
نتائج عمل البعثة الأممية في دارفور :
١- فشل عقد أي اتفاق سلام، فرغم أن التفويض الذي منحه مجلس الأمن للبعثة تضمن الوساطة ما بين الحكومة والحركات المتمردة فإن هذه البعثة فشلت في عقد أي اتفاق أو وساطة، وكان دور الإتحاد الإفريقي أكثر إيجابية منها، وقد استطاع عقد لقاءات ومباحثات ما بين الحكومة و الحركات المتمردة.
أيضا لعبت دول الإقليم أدوار إيجابية خصوصا ليبيا القذافي و قطر واثيوبيا .
٢- فشلت البعثة الأممية في إعادة النازحين إلى قراهم رغم انتهاء الحرب عملياً و ظل النازحون موجودين في مخيمات اللجوء دون حرب، ويزعم البعض أن عدم إعادة النازحين إلى بلداتهم وقراهم كان جزءً من خطة مؤامرةٍ لإستدامة وجود البعثة في البلاد، و عدم خروجها لتلعب دوراً في مستقبل البلاد ما بعد البشير.
٣- فشل البعثة الأممية في حماية المدنيين رغم أن قواتها تملك تفويض تحت الفصل السابع وقد ظل المدنيون يموتون في الصراع بين الحركات المترمدة والقوات النظامية، والمصيبة الأكبر فشلت القوات الأممية في حماية نفسها ومعسكراتها من الهجمات وعمليات النهب .
٤- فشل البعثة الأممية في إعادة الحياة الإقتصادية إلى طبيعتها بالنسبة للنازحين و ظل النازحون يعتمدون على الإعانات الدولية .
٥- استغلت البعثة الأممية لتمرير الإستفتاءات المزورة .
٦- لم تستطع البعثة الأممية تقديم أي إصلاحات حقيقية للحوكمة، حيث لم تستطع بناء الثقة ما بين الشرطة المحلية التي دربتها و المواطنين، ولم تقدم أي خطط للحكومة والمجتمع لتحقيق المساواة الشاملة تنهي الصراعات العرقية التي تعززت بشكل أكبر بعد البعثة الأممية التي كانت غير ملمة بالخلفيات الحقيقية خلف الصراعات العرقية .
٧- لم تستطيع جلب تمويل كافي لمشاريع إعادة الإعمار .
٨- تحولت لمصدر دخل للنظام السابق بعد إجبارها على عقد شراكات مع شركات النظام، حتى قال أحد المراقبين إنهم لا يريدون إخراج القوات الأممية من أجل مليار و مئة مليون دولار ميزانية القوات والبعثة الأممية تنفق في السوق السوداني .
أدوار كارثية للبعثات الأممية خارج السودان :
العراق :
وضع هذا البلد المنكوب تحت الفصل السابع بعد مغامرة رئيسه السابق صدام حسين باحتلال الكويت، وتم تشكيل بعثة للأمم المتحدة في العراق مهمتها رصد وحظر على توريد السلاح وتحديد نسبة الإستقطاعات لدفع تعويضات للكويت بنسبة مئوية ثابتة من النفط العراقي، والسماح بتصدير كميات معينة من النفط بمبلغ معين كل عدة شهور لاستيراد الأغذية ضمن برنامج أطلق عليه النفط مقابل الغذاء.
بزعم قيام نظام صدام حسين بارتكاب جرائم قتل لشعبه بالغازات السامة واستخدامه القوات العسكرية بشكل مميت تجاه المدنيين فرض مجلس الأمن منطقة حظر جوي في شمال وجنوب العراق وهو ما ساعد في تكون منطقة آمنة في شمال العراق عبر المسلحين الأكراد بينما استطاع نظام صدام سحق المعارضين جنوب البلاد الذين هربوا إلى مخيمات لجوء عند الحدود السعودية العراقية، وقد فرض مجلس الأمن عقوبات مشددة على نظام صدام بسبب ذلك وأمر بعثة الأمم المتحدة في العراق بتقديم عرض دوري لأحوال حقوق الإنسان في العراق .
لاحقاً تطور دور البعثة الأممية بسبب صدور قرارات من مجلس الأمن وبتحريض أمريكي وزعمها عدم تعاون العراق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وأن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل يمكنه تحضيرها للإطلاق خلال (45) دقيقة فقط و لإثبات ذلك فرض على العراق وجود مفتشين دائمين للأمم المتحدة بإمكانهم الدخول إلى أي موقع في البلاد وقت ما يشاؤون في عمليات تجسس واضحة تمهيدا ً للإحتلال .
بعد إحتلال العراق عام 2003م قام مجلس الأمن بشرعنة الإحتلال بقرار رقم (1511) و منح الحق للجيش الأمريكي وحلفائه بالبقاء في العراق لمدة عام وألزم القرار البعثة الأممية بالتعاون معه ليبدأ فصل جديد في دور البعثة الأممية في العراق بعد أن أنهت دور الممهد للإحتلال جاء دورها كمساند للإحتلال الأمريكي .
لعبت الأمم المتحدة دور في كتابة الدستور العراقي الذي رسخ لتقسيم العراق، وكرس الطائفية السياسية وهمش العرب السنة، وأشرفت الأمم المتحدة على الإنتخابات وتم تسليم السلطة شكليا للأعضاء المنتخبين من الشعب العراقي .
لم يستطع البرلمان العراقي إنهاء قرارات تمديد الإحتلال لمدة عام التي كانت تصدر بشكل منتظم من مجلس الأمن .
قدم أعضاء من البرلمان العراقي يشكلون الأغلبية عريضة لمسؤول الأمم المتحدة في العراق (أشرف قاضي) ليخاطبوا عبره الأمين العام للأمم المتحدة أن الشعب العراقي يرفض الإحتلال الأمريكي، ولكن أشرف قاضي أخذ العريضة ثم لم يرسلها إلى الأمين العام للأمم المتحدة فتم تجديد مدة الإحتلال الأمريكي لعام إضافي، وعندما خرجت هذه الفضيحة تم نقل أشرف قاضي من رئيس بعثة الأمم المتحدة في العراق إلى رئيس بعثتها في السودان !!
مالي :
عانت مالي من مشاكل حقوق إنسان مزمنة بسبب الصراع المستمر ما بين الشمال الذي يرى نفسه عربيا مغاربياً والجنوب الإفريقي، وبسبب هذا الصراع الدموي دخلت أطراف عديدة أرض مالي منها الجماعات الإسلامية المسلحة التي استطاعت الإستفادة من الهزة الأمنية التي أحدثها انقلاب 2011م لتسيطر على منطقة أزواد شمال مالي و هي المنطقة التي كانت تناضل من سنوات من أجل الإستقلال .
تدخلت فرنسا لمنع تقسيم مالي و هزيمة الجماعات الإسلامية و الحركات الوطنية الأزوادية بعد طلب من حكومة مالي شرعنته الأمم المتحدة، وبعد هزيمة الجماعات الإسلامية جاء دور الأمم المتحدة لشرعنة الإحتلال الفرنسي و عقد اتفاق سلام في الجزائر ما بين الحركات الوطنية الأزوادية وحكومة مالي، وتم إنشاء بعثة أممية ونشر قوات حفظ سلام تبين لاحق أن هذه القوات ليست سوى قوات أرضية مهمتها التصدي للحركات الأزوادية الرافضة للإحتلال الفرنسي والإتفاق الثنائي ما بين حكومة مالي و جناح من الحركة الوطنية الأزوادية .
النتائج لتدخل الأمم المتحدة في مالي وإنشاء البعثة الأممية ونشر الخوذ الزرقاء كان تزايد أعمال العنف الأهلي وابتعاد مالي عن تحقيق السلام و تزايد النزعات الإنفصالية وتحول هذه القوات من دفاعية إلى هجومية طبقا لتكتيكات مكافحة الإرهاب ما تسبب في استهدافها بشكل مستمر و نمو متزايد للجماعات المسلحة المتشددة .
شرعنة الإحتلال الفرنسي الذي أصبح يتخذ طابع الديمومة بعد أن جذب إليه عدة دول افريقية وأقنعهم بالدخول معه في حلف يعرف باسم (G5) لمكافحة ما تسميه فرنسا الإرهاب .
وبين كل ذلك يستمر قتل المدنيين وعدم عودة النازحين وتم تدمير آثار تمكبتو العظيمة الإسلامية وحرق مكتباتها التي لا تقدر مخطوطاتها بثمن .
خطوة حمدوك و التمهيد للإحتلال :
لعبت الأمم المتحدة دوراً خطيراً في تمزيق السودان، فخلال التسعينات من القرن الماضي عندما انهزم التمرد في جنوب السودان أمام الجيش السوداني جاءت بعثة الأمم المتحدة بمؤامرة شريان الحياة لتمنح قرنق القوة ليقوم بهجوم مضاد يستعيد فيه بعض المناطق التي خسرها من الجيش وتبنت بعد ذلك مبادرة الإيقاد التي تضمنت حوار ثنائياً ما بين النظام السابق والحركة الشعبية لتحرير السودان بدلاً من مبادرة أخرى مطروحة قدمتها مصر وليبيا لم تتضمن تقسيم السودان .
البعثة الأممية التي قدمت إلى دارفور جاءت لغرض لعب نفس الدور الذي لعبته الأمم المتحدة في العراق التمهيد للإحتلال ثم شرعنتنه بعد ذلك، وكان مقرراً أن يكون الإحتلال موقوتاً مع صدور قرار المحكمة الجنائية الدولية لكن الأزمة العالمية عام 2008 والتكلفة المادية والبشرية الباهضة لحرب أفغانستان والعراق وانتخاب باراك أوباما غير الإستراتيجية الأمريكية الغربية ولم يعد احتلال السودان على سلم الأولويات .
اليوم يبدو أن حمدوك يقدم للدول الغربية الإحتلال الأقل تكلفة و هو احتلال برضا الشعب فيقوم باستدعاء الأمم المتحدة لتحل السلام في السودان عبر توسيع ولايتها ليشمل مناطق أخرى غير دارفور .
تزامن هذا الأمر مع استعداد أمريكي لأول مرة على لسان المبعوث (دونالد بوث) لطرح قضية تقرير مصير جبال النوبة التي يطالب بها عبدالعزيز الحلو و هو ما يفيد استعداده العام لتمزيق قطعة جديدة من السودان .
وجبال النوبة ليست هي الهدف الوحيد بل شرق السودان أيضاً داخل ضمن المخطط حيث الموانئ التي تطمح لها بعض الدول الخليجية .
الدكتور وائل علي