قال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، إن الآية الكريمة: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» (سورة البقرة 183) تتضمن إشارات لا ينبغي أبدًا أن نغفل عن مراميها في نداء المؤمنين لإحياء هذه الشعيرة من شعائر الإسلام، وهي تنادي المؤمنين ألا يستوحشوا من رمضان وألا يستقبلوه بصدر ضيق.
وأكد شيخ الأزهر خلال أولى حلقات برنامجه الرمضاني «الإمام الطيب»، أن الذين آمنوا لم ينفردوا وحدهم من بين سائر الأمم بهذه الفريضة، وليس هذا التكليف قاصرًا عليهم دون غيرهم، فقد كتبه الله على الأمم السابقة، وإن كان لم يبين لنا من كيفية الصيام المفروض عليهم، ولا نوع هذا الصيام ولا وقته.
تاريخ الصيام
وتابع: إن التاريخ يحدثنا أن الصوم كان عبادة معروفة لدى القدماء، حتى لدى غير المؤمنين من الوثنيين واليونانيين الأقدمين، وكذلك الرومان، ويؤكد المؤرخون أن الصوم كان ركنًا من أركان عبادات هذه الأمم، وطبقته البراهمة في الهند وفرضته على الجميع حتى الشيوخ والمرضى، وطبقته طوائف اليوجا، إذ كانوا يصومون صومًا متواصلًا من 10 إلى 15 يومًا، لا يتناولون فيها إلا حصص من ماء، وهو الأمر كذلك عند البوذية يصومون يومًا وليلة لا يذوقون فيها شيئًا، وكذلك الصين، وقدماء المصريين والرومان.
وأشار إلى أن الصوم من شعائر الدين عند اليهود ومنصوص عليه في التوراة، ومن قمائهم من كانوا يصومون يومًا كاملًا من المساء إلى المساء، ويضمون إلى الصوم عن الطعام والشراب النوم على الحصى والتراب، والأمر كذلك عند المسيحيين إذ يصومون 40 يومًا، ويمتنعون عن أكل اللحوم بكافة أنواعها، وما ينتج عنها من لبن وجبن وزبد، وكل هذا يفسر قوله تعالى كما كتب على الذين من قبلكم، وهو ترغيب للمسلمين في تأدية هذه الفريضة التي تمثل ركنًا ثابتًا من أركان الدين في كل زمان ومكان.
إشارات قرآنية
وألمح إلى أن قوله تعالى «أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ»، هو إشارة ثانية إلى التهوين والقلة، ما يشجع المؤمنين على المسارعة لتلبية النداء بصوم هذا الشهر، وكأن القرآن الكريم يقول أن صوم رمضان أمر هين على المؤمنين، ولا يليق أن يتركه المسلم أو المسلمة إلا لعذر شرعي من مرض وسفر وغيرهما.
وأكمل: وتأتي الإشارة الثالثة لتفيدنا أن الغاية من الصوم هي تقوى الله، وهي مراقبة الله في كل صغيرة وكبيرة، ومحاسبة النفس، وحبسها عن الشر، وإطلاق عنانها في الخير.
أخطاء تضيع ثواب الصيام
ونبه على أنه مما يجب التنبه له في أمر الصوم، أن كثيرين يخيل إليهم أن الصوم يكفي فيه الامتناع عن الطعام والشراب وما إليهما من دعوات الغرائز والشهوات، وهذا ليس بصحيح، لأن هذا هو صوم المعدة، وهو أحد أنواع الصيام التي تتعدد بتعدد جوارح الإنسان.
واستطرد: «للعين وللسان ولليد صوم، وكلها أسس لتدريب المسلم على كف محارم الله، من النظرة الآثمة واستباحة الكذب وقول الزور والسخرية من الناس وسماع الغيبة والنميمة وترويج الأكاذيب وإيذاء الآخر باللسان واليد، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ».
ونوه بأن من أوضح الدلائل على أن معنى الصوم في الإسلام أوسع وأشمل بكثير من معنى الامتناع عن الطعام والشراب، قول الرسول -صلى الله عليه وسلم: «أن مَن لم يَدَعْ قول الزُّور والعملَ به والجهلَ، فليس للهِ حاجةٌ أن يَدَعَ طعامه وشرابه، وقوله رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ».
الإسراف في الطعام
ووجه الإمام حديثه للمشاهدات، وقال: أشير إلى أمر طالما نبه عليه العلماء ولكن يبدو أنه لا يأتي بفائدة تُذكر، وهو عادة الإسراف والتبذير في نوع الطعام وكميته في إفطار رمضان وما بين الإفطار والسحور، وعادة السهر فيما لا يفيد، مما جعل رمضان شهر متعة، وفرصة سنوية لتضييع الأموال، والأخطر العبث بحرمته عند الله تعالى.
ووجه رسالة إلى الأمهات، قائلًا: «أقول للأخت المشاهدة، اصنعي من الطعام ما يكفي لسد الجوع، واعلمي أن كل ما تبذلينه من جهد في إعداد الأطباق المعروفة ليس من الحكمة ولا من الشرع، وإنما هي عادات قديمة ضارة، وخاصة إذا ما رأينا الملابسات والظروف التي تحيط برمضان في هذا العام، وهي تفرض أمرًا آخر غير ما تعودنا عليه من قبل، وعليك أيتها الأخت أن تتذكري وأن تعدين طعامك في المطبخ كل يوم، أن تتذكري قوله تعالى أو ضعيها أمامك في لوحة، «وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ» (31) من سورة الأعراف.
واختتم الحلقة الأولى، بقوله إن فلسفة الصوم في رمضان هي التدريب على الاستغناء والاعتلاء وامتلاك الإرادة والقدرة على الترك، والتحرر من عبودية الشيطان والنفس والهوى، إنها في كلمة مختصرة تقوى الله في السر والعلن.
صدى البلد