منذ زوال النظام المخلوع، لم تعد الشرطة في حماية الشعب، انتهت خدمتها بخدمة النظام البائد، وتلاشى حضورها تماما في المواقع التي يجب ان تكون فيها حضوراً، بدأت الشرطة في معاداة الشارع بعد الثورة، بغيابها عن نقاط مداخل المدن اختفت سياراتها من وسط الأسواق والشوارع الرئيسة، وأصبح الاتصال على ٩٩٩ تصرفا غبياً، ومن ثم ظهر جلياً عنادها في غياب رجال شرطة المرور، ودخلت الخرطوم في حالة فوضى كبيرة في الطرقات واصبح الإزدحام في التقاطعات وعند إشارات المرور، وبعد ذلك بثلاثة اشهر او يزيد ارتفعت معدلات نسبة الجريمة وكثرت السرقات والتعدي على حقوق المواطن، واصبح الإنفلات شيئا يلاحظه المواطن البسيط، وأفل دورها تماما لدرجة أن لجان المقاومة اصبحوا يقومون بالمطاردات ويلاحقون الذين يهربون الدقيق والسكر ويدخلون الأوكار المظلمة للقبض على الجناة، والشرطة كانت تتابع كل مايحدث عبر منصات (السوشيال ميديا) وكأن لجان المقاومة يتبعون لإحدى اداراتها، أضف الى ذلك تعامل الشرطة مع تظاهرات الفلول بذوق رفيع واحترام كبير ليس كما عودتنا دائما بطريقتها العنيفة لفض مواكب الثورة.
كل هذا وغيره يعتبر اشارة خضراء تجعلنا نحرر لها إيصال لمخالفتها المرورية في طريق الثورة والتغيير، وانعطافها عن المسار عن قصد، وأنها تتواطأ مع النظام المخلوع باعتباره وقتها الراعي الرسمي لها ولقيادتها، رجل الشرطة كان (مدللاً) في عهد المخلوع، يتمتع بخواص لا يتمتع بها غيره، و ولأن الثورة جاءت لتحقيق العدالة وأوقفت الفساد وعملت على محو سياسية التفريق المؤسسي وجففت مكامن الشرطة من وابل المخصصات التي كانت تصب من خزينة الدولة، كان لابد أن تظهر الشرطة بهذا الموقف الضعيف الهزيل.
ولكن هل هذه هي الأسباب الرئيسة لعدم انحياز الشرطة للثورة، بالتأكيد لا.. فالشرطة في عهد المخلوع كان التعيين فيها سياسيا، والقيادات فيها تعيينهم وترقيتهم وإعفائهم كله يتم وفق قوانين سياسية بحتة، فشروط العمل فيها على مستوى الرتب الكبيرة لا يتم وفق مقومات النزاهة او الكفاءة، على العكس قد يطول عمرك فيها وانت قليل خبرة وقليل ضمير ولكن الإنتماء ورضا آل (البيت الرئاسي) أهم الشروط الأساسية، ومعلوم عندما تقوم المؤسسات على مثل هذه الأسس الكفيفة يسقط دورها بسقوط النظام وزواله.
ولكن هل ظلت الشرطة بعد الثورة جهاز مكتوف الأيدي فحسب، أم أنها اصبحت أداة تخصم من مسيرة التغيير ،وتعمل على هزيمة الثورة، وطمس أهدافها، خاصةانها تنادي بالسلام وبسط الأمن وإزالة التمكين، وأن يكون الولاء للوطن والشرطة في خدمة الشعب لا الأنظمة والرؤساء والأحزاب.
المئات من ضباط الشرطة الذين تمت احالتهم للتقاعد بالمعاش خارج الأطر الإدارية والقانونية، طالبوا رئيس مجلس السيادة والقائد الأعلى لقوات الشرطة الفريق أول عبدالفتاح البرهان بانصافهم، وكشفوا في الوقت ذاته عن تقدمهم بطعن اداري للمحكمة العليا دائرة الطعون الإدارية، ضد قرارات إحالتهم التي تعدت أشخاصهم لتطال أسرهم وعائلاتهم . وأعلنوا عن تمسكهم بإقالة مدير عام قوات الشرطة عادل البشائر ونائب المدير والمفتش العام الفريق عثمان يونس ومدير هيئة الشؤون المالية الفريق عبدالمنعم عبدالقيوم ومدير هيئة الجمارك بشير الطاهر ومدير الخدمات الطبية الفريق الطبيب عبدالرحمن خالد، وتمسكوا بسحب ملف الشرطة من عضو مجلس السيادة شمس الدين كباشي. وقال الضباط في بيانهم بحسب صحيفة (الجريدة) أمس من أهداف تحقيق العدالة رفع المظالم وحفظ الحقوق، وذلك ما تأمل فيه الخبرات الإدارية التي تم تجريفها بليل، طبخت فيه دسائس لم تبلغ مرحلة النضج فخرجت فجة شائهة غير مكتملة النمو لمرحلة القرار الإداري.
وهذا جزء من بيان حوى كثير من النقاط التي تكشف التعدي والظلم الذي وقع من الشرطة على منسوبيها
كل هذا يجعل من الواجب ان تتم اقالة بشائر من منصبه بإعتباره اسوأ رئيس مر على تاريخ الشرطة فليس من المنطق أن يمر عام على الثورة ويبقى على رأس اهم جهاز شخص معروف انه ينتمي الى نظام مخلوع فما الذي يجعل نظامه (مشلع) وهو يقف بكل هذه القوة، وهي رسالة في بريد رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، من الذي يحمي مدير الشرطة ويمثل له طوق الحماية من الإعفاء؟ وان وجد ماهو الهدف الأساسي من هذه الحماية، أليس البرهان هو الرئيس الذي جاءت به الثورة على رأس الهرم.
صباح محمد الحسن
الجريدة