دفاعًا عن حق وجدي وود الفكي في محاكمة عادلة يوم تدور دائرة الزمان

في المجتمع السوداني لا تخفى خافية، فالفاسد معلوم والشريف معلوم، لأن تاريخ كل فرد فيه محفوظ من الألف إلى الياء هو وعائلته.

لكن المحاكمات القضائية تختلف عن المحاكمات الاجتماعية، إذ تقوم على البراهين وعلى إجراءات تضمن للمتّهم تقديم دفوعاته ومن ثم اتخاذ قرار ببطلان الدعوى او ثبوتها، وليس العكس كما يصدر عن لجنة إزالة التمكين: يأخذون ما عندك ومن ثم عليك أن تثبت حقك فيه.

وحتى إن كان ذلك بغرض تلبية مطالب الثورة فإن تخطي الإجراءات العدلية بحجة الاستجابة للمطالب الشعبية يعني بالضرورة بطلان الحُكم، وإن كان صحيحًا، فكيف إذا كانت تلك الاستجابة خارج إطار نظام التقاضي؟.

ذلك أن أي تقاضي ينبغي أن يستند إلى قانون يمتد نسبه إلى دستور وتقوم عليه جهات وشخصيات خاضعة لذلك القانون نفسه.
وهو ما لا يتوفر للجنة “إزالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد الأموال” التي تقوم أعمالها على 1) مرارات سياسية و2) مزاج شعبي ثائر و3) قانون فوق القانون. وهذه الثلاث كفيلة بجعل النتائج تنحرف عن المقاصد.

نعم هي لجنة منشأة لغرض نبيل هو تفكيك التمكين ومحاربة الفساد، وتلقى تأييدًا شعبيّا، لكن هي نفسها غير محصنة من هذا الفساد؛ لأن قانونها غير خاضع لإجراءات التقاضي؛ بل يفتح خطًّا مباشرًا بين الهوى والسلطة.

وهي لجنة ليست بدعة في التاريخ السوداني حتى يظّن الناس أن العدالة لا تكون إلا بها، فالذاكرة السودانية تختزن “محاكمة سدنة مايو” التي أفرغت عبرها الطبقة الخالفة للنميري أحقادها على خصومها تحت شعار التخلص من القديم.

فقد كان من نتائج تلك المحاكمات تمكين طبقات رأسمالية جديدة دون وجه حق وأخذ حق بعض الناس بالباطل، ونجاة كثير من الفاسدين غير المتحزّبين. وكذلك فعلت حكومة الأحزاب ومن بعدها حكومة الإنقاذ تحت ذريعة التمكين.

وفي كل تلك الإجراءات التعسفية تحت راية العدالة، كان الفاسدون الكبار ينجون دومًا، أفرادًا ومؤسسات؛ لأن المحاكمات 1) تقتصر على القضايا السهلة التي لا تتطلب اجتهادًا في التحرّي، ولأنها 2) توجّه غالبًا إلى خصوم سياسيين وتنسى ظلالهم التي لا لون لها ولا رائحة ولا سجلّات، ولأنها 3) تقوم على قرار سياسي وليس قضائي، والسياسة متقلبة.

نستفيد من تلك التجارب أن لجان المحاكمات العاجلة 1) تفتح بابًا آخر للفساد من نفس النوع: وهو استغلال السلطة للانتقام والتكسّب، وأنها 2) تخطئ مظانّ الفساد الحقيقية أو تتغافل عنها، وأنها 3) تُعلي الأحقاد السياسية على القيم القضائية.

ولأن الأمر كله سياسة في سياسة ولا علاقة له بإحقاق الحق وإنجاز العدل، سينجو فاسدون كثيرون مثل كل مرة، بل قد تصيب عدوى الفساد أعضاء اللجنة نفسها، وقد يأتي يوم تدور فيه دائرة الزمان ويجد ود الفكي ووجدي صالح نفسيهما يواجهان نفس المصير تحت طائلة قانون إزالة التمكين القحتاوي.

عندئذ سيقولان، ومن معهما، مثلما يقول الذين أجرموا في عهد الإنقاذ اليوم: ليتنا خاصمنا بشرف، ليتنا تحرّينا العدالة، وليتنا بالأمس أرسينا قواعد عدالة راسخة تضمن حصولنا اليوم على محاكمة عادلة!.

أما الجماهير، فستظل تكابد الضنك وتقبض الرّيح في كل مرة؛ لأنها ظلّت منذ زمن بعيد، أبًا عن جد، تشتري الشعارات والوعود الآجلة بثمن مُعجّل.

Ziryab Elsiddig

Exit mobile version