* أخيرا حزمت اللجنة العليا للطوارئ أمرها وقررت فرض الحظر الكامل بولاية الخرطوم اعتبارا من يوم السبت القادم، تفاديا للسيناريو الخطير الذى توقعه مركز النماذج الرياضية للأمراض الوبائية بكلية لندن للصحة وطب المناطق الحارة لانتشار فيروس الكورونا في دول القارة الأفريقية ومن بينها السودان، وأوصى باتخاذ تدابير وقائية صارمة على رأسها تكثيف عمليات الفحص لعزل المصابين والمخالطين، والتباعد الاجتماعي والتزام قواعد النظافة والصحة العامة ..إلخ وإلا فإن العاقبة ستكون وخيمة !
* أخطر ما جاء في المؤتمر الصحفي الذى عقدته اللجنة العليا وأعلنت فيه فرض الحظر الكامل، حديث وزير الصحة الدكتور (أكرم على التوم) عن النقص الكبير في مواد الفحص ووسائل الحماية الشخصية للأطقم الطبية مثل الأقنعة الواقية والنظارات والقفازات ..إلخ الأمر الذى يمكن ان يؤدى إلى عجز النظام الطبي عن القيام بدوره في الوقاية والعلاج، فكيف يمكن لطبيب أو ممرض أو عامل طبى ..إلخ تقديم العناية المطلوبة للمرضى بدون أن تتوفر لديه وسائل الحماية الشخصية، وحتى لو افترضنا أن كل العاملين في المجال الطبي قرروا التضحية بأنفسهم والعمل بدون استخدام وسائل الحماية الشخصية، فإلى متى سيكون بإمكانهم الاستمرار في ذلك، ومن سيحل محلهم إذا أصيبوا بالمرض؟!
* من جانب آخر، كيف ستتصرف الدولة وتتخذ الإجراءات المطلوبة لتشخيص وعزل وعلاج المرضى ودرء خطر الوباء، إذا نفذت مواد الفحص ولم تعد وسائل العلاج كافية لاستيعاب الأعداد المتزايدة من المرضى؟!
* إن أخطر ما تواجهه دول العالم الآن بما فيها أكثر الدول تقدما ليس الوباء فقط، وإنما انهيار النظام الصحي وعجزه عن القيام بالدور المطلوب منه في اكتشاف المصابين وعزلهم وعلاجهم .. ولقد رأينا وسمعنا في المؤتمرات الصحفية التي يعقدها رؤساء الدول وكبار المسؤولين أن معظم الحديث يتركز حول الكادر البشرى والإمكانيات المتوفرة من وسائل الفحص والحماية الشخصية وأجهزة التنفس وادوات ومواد العلاج الأخرى ..إلخ، وهو مصدر القلق الأساسي في كل الدول بسبب الضغط الشديد الواقع على المستشفيات والاستهلاك العالي للمواد التي لا تستطيع أكثر الدول مقدرة على توفيرها دعك من الدول الفقيرة، ولقد أشار الدكتور أكرم في حديثه الى نقطة مهمة جدا وهى أنه من الصعوبة أن تجد دولة في الظروف الحالية تعطيك ما تريد حتى لو كان لديك المال، وهو درس للعالم يتعلم منه أن الانفاق الضخم على السلاح والجيوش العسكرية قد آن له أن يتوقف، ويجب ان تكون الأولوية القصوى للبحث العلمي والتعليم والصحة، بعد أن وضح جليا أن العدو الرئيسي الذى يتربص بالبشرية ويحاول القضاء عليها هو الغباء الذى يجعلها تتسابق مغمضة العينين على السلاح وتضخيم الجيوش على حساب الغذاء والتعليم والصحة، ولا تستفيق إلا عندما يهجم عليها ميكروب صغير ويكشف غباءها وجهلها وعجزها!
* ومن المؤسف انطلاق حملات التشكيك والتضليل والتجهيل التي يتبناها البعض لنفى وجود المرض او التقليل من خطورته والاستهتار به، والسخرية من حملات التوعية والإرشاد، والاجتهاد في نشر الشائعات والمعلومات الخاطئة عن عمد او عن جهل، والاسهام في تفاقم الأوضاع وتهديد حياة الناس وتحميل الدولة فوق طاقتها بتحمل اعباء اضافية في العلاج كان من الممكن تفاديها أو توجيه الجهود والأموال التي تُنفق عليها الى أشياء أخرى، ولكنه الغباء عندما يقترن بالجهل فيعمى القلب ويزيغ البصر ويلقى بالإنسان في التهلكة !
* هنالك الآن واقع جديد فرض نفسه علينا بانتقال الوباء الى مرحلة الانتشار المجتمعي التي لن تتوقف إلا إذا وصل الوباء الى قمته قبل أن يتراجع، وليس هنالك من سبيل لتقليل الخسائر سوى التقيد الصارم بالإرشادات والإجراءات الوقائية والالتزام بالتعليمات التي تصدر من السلطات، والتعاون بين الجميع لتفادى المشاكل والأزمات خلال فترة الحظر الكامل!
* ويبقى القول أنَّ من الخطأ تحديد ساعات محددة في اليوم يُرفع فيها الحظر لتمكين المواطنين من قضاء حاجياتهم (كما جاء في المؤتمر الصحفي للجنة الطوارئ الصحية)، الامر الذى سيؤدى لحدوث حالة من الاكتظاظ والزحام الشديد يمكن ان تكون اشد وبالا في نشر الوباء من عدم الحظر نفسه، بالإضافة الى حدوث مشاكل اخرى مثلما حدث في بعض دول العالم، وأقترح بديلا لذلك أن تقتصر فترة الحظر على ثلاثة أيام فقط تكون بمثابة فترة اختبار، تقرر بعدها اللجنة العليا كيفية التعامل مع الموقف، مع انزال القوات النظامية لمنع التجمعات بعد انقضاء الأيام الثلاثة وتطبيق قانون الطوارئ على المخالفين!
زهير السراج
الجريدة