بعد عام من سقوط النظام.. “محمد وداعة” يتحدث لـ(المجهر)
ما تحقق ضئيل جداً مقارنة بطموحات الشعب السوداني
لا أرى سبباً منطقياً في بقاء الولاة العسكريين حتى الآن
عدم تكوين المجلس التشريعي أحد أسباب الشلل الذي يصيب الحكومة الآن
عدم الانسجام بين أجهزة الدولة أدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية
مفاوضات جوبا لن تحقق السلام ولو استمرت (100) عام
ما حدث حتى الآن أقل من ما كان سيأتي به الهبوط الناعم
في يوم 6 أبريل قمت بتسليم مذكرة التجمع لضباط القوات المسلحة
“البرهان” أقر بدور “صلاح قوش” في التغيير منذ بداية الحراك الثوري
حوار محجوب عثمان
قال رئيس حزب البعث السوداني المهندس “محمد وداعة” إن مطلوبات وأهداف ثورة ديسمبر لا تزال تراوح مكانها بعد مضي عام على سقوط النظام، لافتاً إلى أن الدولة لا تزال تحكم بذات الكوادر التي كانت تديرها قبل سقوط النظام، فضلاً عن سريان ذات القوانين التي فصلها النظام لحمايته، مما يجعل الحكومة الحالية غير قادرة على تنفيذ أهداف الثورة، مشيراً إلى أن تفاقم الأزمات الاقتصادية المتعلقة بمعاش الناس جاء نتاج عدم اهتمام الحكومة بها. وانتقد أداء قوى الحرية والتغيير، مبيناً أن المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير اهتم بالعمل التنفيذي بدلاً عن أن يكون حاضنة سياسية توجه الحكومة… حوار أجريناه معه تطالعونه في المساحة التالية:ـ
= بداية كل عام وأنت بألف خير بمناسبة ذكرى سقوط النظام؟
ــ وأنت وكل الشعب السوداني بخير، ونحن نستشرف العام الأول لثورة الشعب السوداني المجيدة التي استطاع بها أن يقضي على أعتى ديكتاتورية مرت على السودان طوال تاريخه.
= إذن كيف تقرأ الأوضاع بعد مرور عام على سقوط النظام؟
ــ دعني أقول لك بصدق إن ما تحقق قليل جداً من طموح الشعب السوداني الذي قام بثورة شهد العالم أجمع بسلميتها، فما تحقق خلال هذا العام لا يتناسب مع الثورة، ولا مع التضحيات الكبيرة التي قدمها الشعب.
= ولكن هناك مكاسب كبيرة تحققت أيضاً؟
ــ بالطبع فإن الوثيقة الدستورية التي تم التوافق عليها تعد أكبر الإنجازات، وكذلك تكوين الحكومة المدنية، لكن نجد أن تنفيذ الوثيقة وقف عند حد تكوين الحكومة المدنية.
=كيف ذلك؟
ــ الوثيقة الدستورية أقرت قيام عدد من المؤسسات لكن لم تقم هذه المؤسسات، فقط قامت الحكومة ومجلس السيادة، وكان من المفترض أن تقوم (11) مفوضية لم تقم بها أي واحدة منها على سبيل المثال مفوضية السلام والخدمة المدنية والقضاء ومكافحة الفساد وحتى الأجسام التي قامت هنا أجسام مشوهة، فالمجلس الأعلى للسلام ليس مفوضية السلام، ولجنة إزالة التمكين ليست مفوضية الخدمة المدنية، ولا مفوضية مكافحة الفساد.
=هل ترى أن هناك مسوِّغات لهذا الأمر؟
ــ لا أرى سبباً منطقياً لأن يظل الأمر على الوضع الحالي، ولا أدري لماذا يظل ولاة الولايات حتى الآن هم العسكريون الذين تم تعيينهم بواسطة المجلس العسكري، وليس مبرراً أن لا تقوم حكومات في الولايات حتى الآن، ولا أرى سبباً يجعل الأمناء العامين للحكومة في الولايات هو الأمناء العامين أنفسهم الذين كانوا يعملون قبل سقوط النظام، رغم أن الأمين العام هو الرجل الثاني والمحرك الفعلي للأداء التنفيذي في الولاية، ولا أدري لماذا لم تقم الحكومة بتغيير تلك الطواقم التنفيذية في الولايات، وهم عناصر تم تعيينهم بواسطة النظام البائد، وبالتأكيد هم من عناصره المخلصين.
=هل أضر ذلك بمسيرة الثورة أم أنهم انخرطوا في برنامج الحكومة الانتقالية؟
ــ هؤلاء أحد أسباب الشلل الذي يصيب الدولة الآن، وهم أسباب فشل الحكومة الانتقالية خاصة أن الحكومة لم تقم بتعيين المجلس التشريعي، وهو الجهاز الذي أعطته الوثيقة الدستورية حق رقابة الحكومة وحق تعديل القوانين.. هل تدري أن ذات القوانين التي فصلها النظام السابق لحمايته، وحماية مصالحة لا تزال سارية، وهى التي تحكم البلاد الآن.. إذن كيف تفكك نظاماً وأنت تعمل بقوانين وضعت لمنع تفكيك هذا النظام؟.
= هل نحن على ما يرام ونمضي نحو غاياتنا أم أن هناك مشكلات تواجه مسيرة الثورة؟
ــ الوضع الاقتصادي الآن ازداد تدهوراً، وزادت مشكلات الحصول على الخدمات، وتضاعفت أسعار السلع الأساسية مرات ومرات، وبلغ تدهور العملة حداً بعيداً، لدرجة أن سعر الدولار بلغ (140) جنيهاً، كل هذا يؤكد أننا لسنا على ما يرام.
= برأيك ما الذي أدى لتدهور الأوضاع؟
ــ أعتقد أن أجهزة الدولة تعاني الآن من عدم انسجام.. لا يوجد انسجام كامل بين مكونات الحكم، هذا أحد أهم معوقات الأداء في المرحلة الحالية… هذا هو السبب في تصاعد الأسعار وندرة السلع.
= هل تقصد عدم الانسجام بين الحكومة وحاضنتها السياسية؟
ــ الحاضنة السياسية المتمثلة في قوى الحرية والتغيير بدأت في لعب ادوار غير منوطة بها.. المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير تحول إلى لجان للعمل التنفيذي، وهي التي تعين هذا وترفت ذاك، وتغلق هذا الموقع أو ذاك… لو أن هذه العملية تتم في إطار استرداد الحقوق والأموال التي تم نهبها، لكنا الآن قد أنجزنا كثيراً، لكنها تتم حتى الآن في الهوامش.
=كيف؟.. ألا تعمل هذه الجهات لاسترداد أموال الشعب المنهوبة بواسطة عناصر النظام السابق؟
ــ هل تعلم أن للنظام البائد وعناصره آلاف الشركات التي تعمل في الولايات في القطاعات كافة، ما بين التعدين والزراعة والاستثمار ولا تزال تعمل؟ ولم يتم التعرض لها على الإطلاق، وهل تدرى أن هناك فساداً موثقاً لبعض المستثمرين الأجانب والوطنيين في ظل النظام السابق، ولا يزالون يعملون؟ بل بعضهم تماهى مع الحكومة الحالية، رغم أنهم كانوا جزءاً أصيلاً من فساد العهد البائد.
=كيف تقرأ مفاوضات السلام التي تدور في عاصمة جنوب السودان جوبا بين الحكومة والجبهة الثورية؟
ــ رغم أنني أرى أن الفترة الحالية تمثل فرصة استثنائية لتحقيق السلام من واقع أن نجاح الثورة وإزالة النظام البائد قد أزال العوائق أمام السلام، ومع دعم الحركات المسلحة كلها للثورة، لكن حتى الآن لم يتحقق السلام، بل لن يتحقق بالطريقة الحالية ولو انتظرنا (100) عام.
=لماذا؟… الآن يقولون إنهم على أعتاب التوقيع؟
ــ لن يتحقق لأن هناك خلطاً كبيراً بين تحقيق السلام وما هو مطلوب من التفاوض للسلام، وما بين ما هو مطلوب لإقامة الدولة.
= كيف والمفاوضات تمضي الآن وعالجت كثيراً من القضايا؟
ــ مطلوبات السلام محددة وهي تفاوض على إيقاف الحرب، وفتح المسارات الإنسانية، ودمج وإعادة تسريح منسوبي الحركات، فضلاً عن مشاركة في السلطة تضمن تنفيذ ذلك.. لكن التفاوض الآن يشمل أجندة أخرى.
=ما هي القضايا التي يتم التفاوض حولها ولا تعد من مطلوبات السلام؟
ــ الآن يتم الحديث والتفاوض عن شكل الحكم والعلاقة بين الدين والدولة، وإزالة الظلم والمشاركة في الخدمة المدنية والتنمية والتعويضات والحديث عن هوية الدولة وكيفية حكمها، وكل ذلك ليس مكانه التفاوض حول السلام، هذا يتم عبر مؤتمر دستوري جامع، إذ لا يمكن أن أحدد هوية الدولة من خلال تفاوض بين جانبين فقط .. يتم الاتفاق على إحلال السلام واستيعاب حركات الكفاح المسلح في الحكم والانخراط بعد ذلك في عمل جماعي لتحديد هوية الدولة من خلال دستور دائم.
=كيف تنظر للمسارات التي تم التفاوض حولها؟
ــ قضية المسارات نفسها إحدى المشكلات التي ستعمل على عدم إحلال السلام.. قضية السلام تحل كاملة لأنها مرتبطة بإنهاء الحرب، كما أن السلام يحتاج إلى أموال ضخمة، منها إعادة المهجرين وإقامة الخدمات لهم، وبالتالي ما دامت تكلفة فاتورة السلام عالية، فإنها تحتاج إلى عمل يشارك فيه المانحون من جميع أنحاء العالم، ولهذا لابد من قيام مفوضية للسلام تعنى بهذا الأمر.
=ولكن الآن هناك من يرعى المفاوضات؟
ــ شهدنا بعض منسوبي الكيانات التي تم التفاوض معها تم نقلهم إلى جوبا على نفقة بعض السفارات في الخرطوم، فهي التي تكفلت بالدعم اللوجستي للتفاوض.. فقط قس على ذلك.
=إذن أنت ترى أن المفاوضات الحالية غير مجدية؟
ــ على العكس تماماً أنا أرى أن الفترة الحالية تمثل الفرصة الوحيدة لإحلال السلام، وإن لم نغتنمها ربما لا تعود مرة أخرى.
=تحدثت عن فشل الحكومة وأنها حتى الآن دون التوقعات.. هل يمكن أن نعتبر أن ما تم هبوط ناعم فقط؟
ــ حتى ما كنا نتوقعه في الهبوط الناعم لم يتحقق إذن، فإن ما تم أقل حتى من الهبوط الناعم… ثم إن الهبوط الناعم كان يقتضي أن يذهب “البشير” والبارزون من النظام، ويظل النظام كما هو الآن ربما يكون ذات الوضع إن استصحبنا ما أشرت إليه سابقاً من وجود ذات عناصر النظام البائد حتى الآن.
= دعنا نتحدث عن ما حدث يوم الاعتصام.. أين كنت حينها؟
ــ كنت داخل ساحة القيادة العامة، وأنا من قمت مع “بشرى الصائم” و”منتصر السيد” بتسليم مذكرة التجمع لضباط الجيش.
= متى تم ذلك؟
في يوم 6 أبريل نفسه عندما وصل الثوار كان الهدف أصلاً تسليم مذكرة لضباط الجيش، وعندما خرج ضباط القوات المسلحة وتلاحموا مع الثوار كانوا يتساءلون عن المذكرة، حينها كانت المذكرة موجودة داخل هاتفي ذهبنا إلى صحيفة الجريدة، وتمت طباعتها في مكتب رئيس التحرير “أشرف دوشكا” وعدنا وسلمنا منها نسخاً لضباط الجيش ووزعنا نسخاً أخرى على الثوار.
=ولكن هناك من يرى أن القيادات لم يكونوا متواجدين في ساحة الاعتصام؟
ــ أنا تحديداً كنت كثير التواجد في ساحة الاعتصام وكنا كحزب لدينا ركن أمام دار خريجي جامعة الخرطوم نقوم بتوزيع القهوة والشاي على المعتصمين، وكان ركناً خاص بحزب البعث والمؤتمر السوداني، كما كان لنا أيضاً منصة أخرى قرب جامعة الخرطوم، وقام الرفيق “تيجاني مصطفى” بفتح اتحاد المصارف للثوار، وتم استخدامه للخدمات كل ذلك تم يوم 6 أبريل، ولاحقاً تم استغلال اتحاد المصارف لإقامة المؤتمرات الصحفية لقوى الحرية والتغيير.
=ماذا حدث يوم 9 أبريل؟
يوم 9 أبريل تم اللقاء مع “صلاح قوش” برغبة منه وتم اللقاء بيننا، وكان من المفترض أن يحضره عدد من القيادات، غير أن بعضهم اعتذر فتم اللقاء الذي حضره “الصادق المهدي”، ومن الجانب الآخر كان هناك “قوش” و”أحمد هارون”.
=ماذا تم في هذا اللقاء؟
ــ قدمنا لهم خمسة مطالب رئيسية، أولها أن يتنحى “البشير”، وأن تكون حكومة قومية يسبقها تكوين مجلس عسكري، وأن يعود العمل بدستور 2005 كاملاً، فضلاً عن عدم التعرض للمتظاهرين.
=هل قبلوا مطالبكم؟
ــ “أحمد هارون” رفض الأمر جملة وتفصيلاً، وأكد أن “البشير” لن يتنحى، وقال إنه سيفض الاعتصام عندها “الإمام الصادق المهدي” قال له إنه سيؤم المصلين في ساحة الاعتصام يوم (الجمعة)، فقال له “أحمد هارون” إنك لن تجد من تؤمه يوم (الجمعة).
=وماذا كان رأى “صلاح قوش”؟
ــ “صلاح قوش” قال إنه سينقل مطالبنا إلى “البشير” لكن أرسل لنا رسائل ضمنية بأنهم يعدون لاستلام السلطة.
=ولكن الجميع الآن ينكر أن لـ”صلاح قوش” دوراً في هذا التغيير؟
ــ أنا هنا فقط أحيلك لحديث أدلى به رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن “عبد الفتاح برهان” فقد قال في مقابلة تلفزيونية: (“صلاح قوش” هو من قاد الناس وساهم ووجه بأن يتم التغيير وحتى آخر لحظة في التغيير كان موجودا وحاضر بقوة)… هذا ما قاله “البرهان” حرفياً، ولك أن تعرف أن تنحي “البشير” جاء متدرجاً.
=كيف جاء متدرجاً؟
ــ اللجنة الأمنية طلبت من “البشير” في مارس أن يتنحى لكنه رفض، وتكرر الأمر مرة أخرى قبل الاعتصام لكنه ظل يرفض ويتمسك بالاستمرار، وبعد الاعتصام طالب الجيش و”قوش” و”حميدتي” أن يفضوا الاعتصام لكنهم رفضوا ذلك.
ولكنك قلت إن “أحمد هارون” قال سيفض الاعتصام؟
ــ نعم بعد رفض “حميدتي” و”قوش” و”ابن عوف” فض الاعتصام استعان بمليشيات الحزب، وكان “أحمد هارون” يجهز في قوات خاصة بالحزب لفض الاعتصام.
كيف استقبلتم التغيير خاصة بعد أن جاء عبر “ابن عوف”؟
ــ أولاً كون أن التغيير حدث، كان ذلك في حد ذاته نجاحاً للثورة، ومن ثم لك أن تعرف أن التغيير جاء عبر اللجنة الأمنية، فهي التي قررت عزل “البشير” ولذا كان مفهوماً أن يأتي عبر أشخاص اللجنة الأمنية، وربما لا يعرف الكثيرون أن المجلس العسكري لم يتم تكوينه إلا بعد البيان الأول، ويمكن الاستدلال على ذلك بأن “ابن عوف” و”عبد المعروف” فقط هم من أدوا القسم حتى أن المجتمع الدولي كان يتساءل عمن هم الذين قاموا بالتغيير.
لماذا لم يتم الاتفاق بحسب رأيك؟
ــ كان هناك خلاف حول من سيمثل في المجلس العسكري، المجلس استبعد رتباً عليا وأدخل رتباً أقل، ولو أن الأمر تم بتراتبية الجيش لما تم استبعاد “هاشم عبد المطلب”
ولكن الشعب رفض “ابن عوف”؟
ــ بعد أن تلا “ابن عوف” البيان تضاعف عدد الثوار أمام القيادة العامة وكان هناك ترحيب كبير به.
حوار محجوب عثمان
المجهر