طالبت (هيومن رايتس ووتش)، الحكومة الانتقالية السودانية تسريع جهودها للتحقيق في الجرائم التي ارتكبتها قوات الأمن الحكومية ضد المتظاهرين منذ ديسمبر 2018 ومحاكمة مرتكبيها عقب موجة الاحتجاجات التي أطاحت بحكومة المخلوع عمر البشير. حيث ترى المنظمة الحقوقية أن عمليات القتل والانتهاكات يُمكن إعتبارها جرائم ضد الإنسانية، وترى أن الحكومة أحرزت تقدما بطيئا في مواجهتها ومواجهة العديد من المشاكل الخطيرة، بما في ذلك انهيار الاقتصاد.
تصريح المنظمة الدولية يعكس حقيقة الوضع المأساوي بالسودان والذي سبق وأشرنا إليه في هذه المساحة كثيرا، التباطوء غير المبرر الذي تتعامل به الحكومة مع جميع القضايا الحساسة والمصيرية، والتساهل المثير للغضب والشكك أحيانا، ولعل هذا ما يقودنا لأن نتحدث حول ظاهرة (كسر منسوبي الحزب المحلول لقرارات رأس الدولة)، مع سبق الإصرار والترصد، فرغم توصية السلطات الصحية بحظر التجمعات عقب جائحة كورونا، والذي خرج بقرار من رأس الدولة الفريق عبدالفتاح البرهان، إلا أن خروج مواكب فلول النظام البائد لا زال مستمرا وبشكل يكاد يكون شبه يومي.
وضح أن الحكومة تتساهل بشكل كبير جدا مع مواكبهم، ولا تتخذ ضدهم أي إجراء قانوني باعتبارهم مخالفين، بل ومهددين للأمن القومي في ظل إنتشار جائحة كورونا التي حذرت منها السلطات الصحية. وتكتفي فقط بإطلاق الغاز المسيل للدموع.
تعامل في قمة النعومة من قبل السلطات الأمنية، بعكس ما كان يحدث مع مواكب الثوار الذين خرجوا لإسقاط النظام السابق، حيث يتم قمعهم بالرصاص الحي، حتى قبل أن تنتظم صفوفهم، وأدى ذلك للكثير من حالات الإعتداء على العزَل من شباب السودان، حتى أدى ذلك لحالة وفاة واحدة وإصابات كبيرة في موكب تصحيح المسار والذي وصل القصر الجمهوري لتسليم مذكرة وتمَ ضربه هناك، وأعقب ذلك توجيه للنائب العام من قبل رئيس الحكومة عبدالله حمدوك بتشكيل لجنة للتحقيق في الأحداث ورفع تقريرها خلال إسبوع واحد، وهو ما لم يحدث حتى الآن رغم مرور أكثر من 3 أشهر.
وبالأمس خرجت مواكب نسائية لمنسوبات الحزب المحلول عطلَت حركة المرور في العاصمة المثلثة وليس مدينة الخرطوم وحدها، حيث تمَ في ظرف دقائق إغلاق جميع الشوارع المؤدية إلى القيادة العامة وبالتالي تعطلت حركة المرور بشكل كبير منذ العاشرة صباحا وحتى العصر، وهذا الأمر تكرر كثيرا الفترة السابقة دون أن يجد تعامل صارم وحاسم من قبل السلطات الأمنية، ولم نسمع بتقديم أحد المتظاهرين للمحاكمة.
هذا الموكب حتما ستعقبه مواكب أخرى، ولن تجد من يتصدى لها من قبل قوات الفريق البرهان أو نائبه حميدتي، وستتواصل المواكب العبثية ولن تجد ما يحول بينها وبين الوصول لرئاسة الحكومة، وبعدها للقصر الجمهوري، وليس بمستبعد إعتصامهم أمامه أو أمام القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة مطالبين بإقالة حمدوك وتعيين حكومة عسكرية على رأسها البرهان ذات نفسه، وتظل كل السيناريوهات مفتوحة، ويظل باب السودان مشرع أمام كافة الجبهات، ويظل الداخل مشتعلا بالأزمات، وتظل الحكومة تمارس فضيلة الصمت المكروه، ويظل الشعب صابرا محتسبا يردد مجبورا أخاك لا بطلا.
أمس كتبنا مشيدين بقرارات لجنة التمكين وأنها بدأت تسير في إتجاه الثورة أخيرا، ولكن المؤكد هو أن الحزمة واحدة ولا تتجزأ، تفكيك النظام وإزالة التمكين يبدأ أيضا عبر بوابة قمع فوضى أهل التمكين بالقانون، ومتى ما تمَ ردع وحسم تجاوزاتهم وتحديهم للقانون بالقانون، لن نشاهد أحدهم أو إحداهن شاهرا سلاح التخويف والوطنية الزائف، أو رافعا شعار إسقاط الحكومة.
الشعب الذي فوَض الحكومة الإنتقالية لحماية مكتسباته وقطع الطريق أمام عودة أهل النظام البائد، ربما ينحو منحى آخرا تجاه ما يشاهد يوميا في الشارع وداخل المؤسسات، عندها فقط يمكن أن نقول أن تصريح منظمة (هيومن رايتس ووتش) لم يأت من فراغ وسيكون له ما بعده.
هنادي الصديق
الجريدة