يوميات الحجر المنزلي ٤

(رقمي 367) ..ابني كان يتحدث معي من قلب الحدث (صف العيش) بعد ما قلقت عليه فقد مضت أكثر من ثلاث ساعات ولم يأت ..(ما فهمت دا يعني شنو ؟ رقم جلوس ؟ امتحانات هي ولا شنو ) ..الحق يقال ان امتحان الخبز والكهرباء هي كما امتحانات الرياضيات والفيزياء للحكومات ..(فراقة الحبايب) ..صف العيش صار يستهلك جل وقت الشباب والآباء والامهات ..وطبعا لازم نسمع تنظيرات من سقراط أسرتنا ..(يا حاجة.. في مقولة قديمة تقول ليس بالخبز وحده يحيا الانسان) ..صحيح ليس بالخبز وحده لكن معاه القراصة والعصيدة والكسرة ..(بكل تداوينا فلم يشف ما بنا) ..كان رده حاضراً (لا أقصد كمان في الرز والمكرونة والشعيرية ..دا غير الفطائر والبيتزا ووو) ..أحسن شئ ان هذا الحوار كان خارج المطبخ ..لأني لا أضمن ردة فعلي وكل الاسلحة البيضاء دي حولي وهذا الاستفزاز والاستعلاء الذكوري الحاصل دا..
المهم يا أصدقاء ..عزمت اليوم على خبز رغيف منزلي ..عادي يعني ما شئ صعب ..تشاورت مع المستشار الخاص تبعي (هند) ايدتني بقوة ..ودخلت الى غرفتها وحضرت وهي تحمل الموبايل وتقرأ (كيلو دقيق ..كاسة حليب ..30 جرام خميرة ..بيضة واحدة ..20 جم ملح ..30 جم سكر ..ربع كوب زيت ..للتجميل زعتر او سمسم) ..يطلع بطيخ على طول ..(دا شنو يا بتي )..ردت بثقة (دا خبز بالزعتر ) ..حليب وبيض ؟ معقولة ؟ لو العيش بتاعنا كان بيعملوا فيهو دا ..ما كان جاتنا ملاريا ..يا بتي عايزين نعمل العيش الواحد دا ..زعتر شنو ودفتر شنو ..هزت كتفيها وقالت (غايتو يا ماما ما بنصحك بالمجازفة في موضوع العيش دا ..أحسن ليك القراصة حقتك البتعرفيها) …شوفوا البت ..أها بس الليلة يا أنا يا العيش دا ..دقيق وخميرة وملح وشوية سكر وموية دافية ..هي كيمياء ؟ ما لقيمات بس في الفرن.
الله يرحم أمهاتنا جميعاً .. كان خبز العيش عادي عندهم ..وأغلب بيوت حلفا كان بها فرن من الطين ..يتم فيه خبز العيش ببساطة..كانت الواحدة منهن تصحو باكراً …تخمر العجين ..تملأ الأزيار ..تحلب الغنم ..تعمل الشاي ..وتبدأ في خبز العيش او عمل القراصة ..لكن خلف من بعدهم خلف ..المخابز التي انتشرت في الأحياء …سهلت شراء الخبز وصار أقرب وأجمل وأكبر …تخيل ان الخبز الواحد كان يقسم الى نصفين ..نحشي نص فول والتاني طحنية (لما كان العيش عيش)، وقبل ان تصيبه حمى الجشع ويصير مسخاً صغيراً لا يملأ الكف الواحد..
التحدي أكسبني نشاطاً ..لكن بيني وبينكم خفت ان تصدق هي واكون من الحالمين ..لذلك قررت التجربة في كمية بسيطة ..عجنتها .. وتركتها تخمر وبعد ساعة قطعتها الى قطع صغيرة وتركتها تخمر مرة أخرى ..ومن ثم بدأت الخبز في الفرن ..أدخلت أول صينية ..وبدأت أتابع عملية الخبز وقلبي تتسارع دقاته واخاف ان تقطع الكهرباء ..وحاجات تانية حامياني ..(وأنا الآن الترقب وانتظار المستحيل )..كنت مثل صبية تمارس اولى تجاربها في المطبخ ..دعوت الله صادقة الا تفشل القصة واصير حديث اليوم في الغداء ..بدأت احداهن تنتفخ ..وتبعتها الثانية ومن ثم الثالثة ..يام ا نت كريم يارب ..قاربت ان أصرخ على طريقة طرزان (اووووووو) ..فرحتي بخبز العيش لا تعادله فرحة ..لا تقول لي كريم بروليه ولا سيمون بوفيه ..ولا سيمون دي بوفوار ذاتها ..
ساعة الغداء كان رغيفي يزين المائدة ..تابعت تعبير الوجوه الصامتة وهم يمضغونه ..وكنت طبعاً جالسة في مقعد المعلق الرياضي اتحدث عبر المايكروفون (خبز عضوي ..مصنوع في المنزل ..لا اضافات …ولا مواد كيميائية ضارة ..تاكل وتحمد سيدك والشكر لكل من دعم مسيرتنا الانتاجية ولو بكلمة طيبة ..) ..كانت التعليقات في مجملها ايجابية ..لو تغاضينا عن الملح القليل ..ما فيهو لب ..الاحجام ما قدر بعض ..المهم على قول الدجاجة الصغيرة الحمراء (الخبز خبزي ..عجنته وحدي ..وخبزته وحدي ..وسآكله وحدي)…وخليكم في البيت
د ناهد قرناص

الجريدة

Exit mobile version