محنة ايطاليا بالعربي

كلنا يدرك أن العالم لن يكون كما مضى حين تزول عن الأرض غمة كورونا هذه لكن حين تجد هنري كيسنجر ليحدثك بمثل هذا القول فأنت تتكئ على جدار صلب من التحليل والقدرة على التنبؤ. في ال٩٧ من عمره المديد (سيبلغها الشهر المقبل) كتب مستشار الأمن القومي، ووزير الخارجية الأمريكي الأسبق لصحيفة وول ستريت جورنال الأسبوع الماضي، أن هجوم الفيروس على صحة الإنسان سيكون مؤقتاً كما هو مؤمل، لكن الاضطرابات التي صنعها ستبقى لأجيال قادمة، وكشف عن إن قادة العالم يتعاملون مع الأزمة على أساس وطني بينما الفيروسات لا تعترف أصلاً بالحدود.

لقد فضحت أزمة فيروس كورونا الأخيرة عورات الرأسمالية وتجاهلها للحاجات الأساسية للغالبية من سكان الأرض مقابل استعادة الأنظمة الاشتراكية وشبه الاشتراكية لأنفاسهاوألقها في هذه الأزمة.لقد أعاد مشهد الأطباء الكوبيين والصينيين على شاشات التلفزيون وهم يقومون بالتطوع في المؤسسات الصحية الإيطالية إلى الأذهان فكرة أن الديمقراطية الغربية ليست النظام السياسي الأفضل لخدمة الفقراء وإن الحاجة الى الدواء والشفاء أهم بكثير من الحاجة الى حرية التعبير.

في كوريا الشمالية تقول الأنباء الشحيحة المتداولة في جارتها الجنوبية الموبوءة إن الوضع تحت السيطرة، وفي فييتنام إحدى القلاع الشيوعية القليلة الباقية في خريطة العالم والمجاورة للصين فإن الدولة ذات الموارد المحدودة والقيادة ذات العزم (التعبير لصحيفة الفاينانشيال تايمز ٢٤/٠٣/٢٠٢٠م) قد صنعت نموذجاً جديراً بالاحتذاء في حماية سكانها الذين يقارب عددهم المائة مليون. سنغافورة الصغيرة وهي دولة لها نظامها السياسي الخاص والمتميز عن ديمقراطية وستمنستر نجحت منذ الأسابيع الأولى في مواجهة الوباء والتحكم فيه ثم مدت يدها لمساعدة جيرانها.

لم يبتعد كيسنجر والذي نجا في حياته المديدة من حرب عالمية قضى فيها عشرات الملايين، وشهد حريق البشر في معسكرات الغاز، وأزمة الصواريخ الكوبية التي حبست أنفاس العالم، والحروب العربية الإسرائيلية وغيرها من الكوارث التي صنع بعضها بيديه الآثمتين، عن الحقيقة حين كتب في مقاله أن الاختبار الأكبر هو عما إذا كان بوسع السلطات مكافحة انتشار الوباء على نحو يعيد للأمريكيين الثقة في قدرتهم على حكم أنفسهم. نحن في عالم كان يظن أن هذه من المسلمات، وأن الأمريكيين ليسوا قادرين على حكم أنفسهم فحسب، وإنما هم قادرون على حكم العالم بأسره. من المؤكد أن الأمريكيين سينجحون في الاختبار لكنهم سيتغيرون ويغيرون العالم على نحو جديد ينبغي أن تستعد الحكومات والشعوب له.

سيتغير الاقتصاد وستنخفض الوظائف أكثر وسيسود نموذج مكان العمل الافتراضي، حيث سيعمل كل من المكان الذي يروق له وستتراجع دفاتر الحضور والغياب وقهوة المكتب، وستزداد الجريمة المنظمة الناتجة عن قلة الوظائف مع ارتفاع المؤهلات العلمية للشباب.

في الغالب فإن من سيدفع ثمن الخسائر الغربية الاقتصادية هو الدول العربية وبشكل أكثر تحديداً دول الخليج! ومن المؤسف أن الجامعة العربية لم تجتمع حتى الآن ولو بشكل افتراضي للتداول حول الأزمة التي تهدد قدرة الجنس البشري على تطويع إمكانيات كوكب الأرض لصالحه.

جاءتالفرصة للجامعة للمساهمة في صناعة الحياة ومؤازرة الشعب الإيطالي أخذاً بالنموذج المصري فالعرب سيحتاجون قريباً للتصنيع، والخبرات، والبراعة، والمهارة الإيطالية، وحينها ستكون لهم يد سلفت ودين مستحق، وإيطاليا ستقدم كل ذلك لإنقاذ اقتصادها المنهك، ونظامها السياسي المتآكل، ومستقبلها كأمة موحدة قبل أن يتسع الفتق بين شمالها وجنوبها على إمكانية الرتق. ربما كان العون الإيطالي كفيل في المستقبل بإدخال الأمة العربية في العام ١٧٦٠م أو عصر الثورة الصناعية.

محمد عثمان إبراهيم

الصيحة

Exit mobile version