قبل وقوع الكارثة !

* توقعت ورقة علمية أعدها مركز النماذج الرياضية للأمراض الوبائية بكلية لندن للصحة وطب المناطق الحارة، أن تسجل معظم الدول الأفريقية (ومن ضمنها السودان) أول 1000 إصابة بالمرض في حوالي منتصف شهر أبريل ( 2020) ، وأول 10 آلاف إصابة في الأسابيع التالية، أو قبل ذلك بقليل، حسب المعطيات الحالية !

* تعتبر كلية لندن للصحة وطب المناطق الحارة من أعرق وأميز الكليات في العالم في مجال طب المناطق الحارة والوبائيات، ولديها برامج تعاون وارتباطات أكاديمية وبحثية وثيقة منذ عشرات السنوات بمعظم الجامعات والدول الافريقية، وخرجت آلاف الدراسين الافارقة ..إلخ، ودرس فيها العديد من الاطباء والكوادر الطبية السودانية الاخرى، كما تربطها بجامعة الخرطوم وشائج اكاديمية وبحثية وثيقة ، وهو أمر معروف لكل العاملين في المجال الصحي في السودان، ولا يوجد مجال للتشكيك فيها وفى الأوراق والدراسات التي تصدر عنها !

* أشارت الورقة التي شملت اكثر من 45 دولة افريقية إلى أن السودان سيسجل أول 1000 إصابة في الفترة ما بين 13 إلى 23 ابريل الجاري، وأول 10 آلاف إصابة في الفترة ما بين 30 أبريل الى 13 مايو القادم، وهو ما يستوجب دق ناقوس الخطر، واتخاذ إجراءات وتدابير وقائية صارمة والتشدد في فرض (التباعد الاجتماعي) ومنع التجمعات ووضع حد للسبهللية وعدم اللامبالاة التي يظهرها الكثيرون ولو استدعى الأمر تشديد حالة الطوارئ واستخدام القوة الجبرية وفرض العقوبات الصارمة، بالإضافة إلى توسيع دائرة الفحص لمعرفة مدى انتشار المرض وسرعة عزل المصابين والمخالطين وهو احد أهم الاسلحة لمكافحة الوباء، وإلا فإن البلاد ستغرق في مستنقع من المرض والفوضى لا قبل لها به !

* صحيح أننا دولة فقيرة ذات امكانيات محدودة، ليس لدينا مقدرة لفحص عدد كبير من المواطنين لمعرفة أين نقف من الوباء، ولكن يجب أن نسخر كل ما نملك ونطلب العون العاجل من الدول الأخرى لتوسيع دائرة الفحص ومعرفة مدى انتشار الوباء وعزل أكبر عدد من المصابين والمخالطين، بالإضافة إلى وضع الخطط واتخاذ التدابير الوقائية الصحيحة، وإلا سنكون كمن يحاول إطفاء النار وهو مغمض العينين !

* كما أن اقتصادنا في غاية الهشاشة، ومواردنا لا تسمح بإعالة الدولة للمواطنين الذين سيفقدون مصادر دخلهم بمد ساعات حظر التجول والاغلاق الإجباري الكامل، ولكن يجب أن نلجأ لهذا الخيار الصعب على الأكثر في بداية الأسبوع القادم، وتنبيه المواطنين إلى ذلك لاتخاذ الاحتياطات الممكنة، وأقترح في هذا الصدد أن يخصص جزء من ايرادات مشروع (القومة للسودان) أو خصما عليه لدعم محدودي الدخل بأسرع ما يمكن حتى يمكنهم شراء ما يحتاجون إليه قبل فرض الحظر الكامل .. الذى لا بد منه!

* قد لا يصدق البعض أننا أمام معركة حقيقية وخطيرة للغاية .. معركة حياة أو موت، عجزت دول كبرى تملك امكانيات هائلة في التصدي لها، مثل إيطاليا وإسبانيا وفرنسا، فماذا تفعل إزاءها دولة صغيرة وفقيرة مثل بلادنا أو الدول الأفريقية الأخرى ؟!

* أخيراً .. أرجو ألا يخرج علينا البعض مشككين في الورقة أو الدراسة، فمثل هذه الدراسات تكون في العادة دقيقة للغاية، تكاد ينعدم فيها احتمال الخطأ، وذلك لاعتمادها على أسس علمية ورياضية دقيقة جداً، ولقد صدقت كل الدراسات السابقة المشابهة في النتائج التي خلصت إليها، ومنها الدراسة التي نشرت عن انتشار وباء الكورونا في أمريكا قبل حدوثه، وأكدها الواقع بعد فترة قصيرة جدا رغم الإمكانيات الهائلة لأمريكا والتي تساعدها في التعامل مع هذه المواقف!

* يجب أن يعرف الجميع، الدولة والمواطن، أننا أمام تحد كبير يستوجب الحذر والجدية والتعاون، وتطبيق الإجراءات الوقائية الصارمة، وإلا فإن العاقبة ستكون وخيمة .. !

زهير السراح
الجريدة

Exit mobile version