لا تتبرعوا لحمدوك.. نسأل الله أن يغفر لمن دفعوا ذنبهم، وأن يعوضهم عن مالهم ثواباً وأجراً

ليس أمامي سوى توجيه كلمتي للرأي العام بأن على المواطنين ألا يبسطوا أيديهم للتبرع للحكومة استجابة لنداء رئيس الوزراء د.عبد الله حمدوك وفق نداء (القومة للوطن) الذي أعلن الليلة قبل الماضية ولدي من الأسباب ما يزيد عن مساحة هذا العمود.

لم يقدم رئيس الوزراء معطى اقتصادي أو إداري واحد تنبني عليه الدعوة للتبرع إذ ليس هناك قانون أو نظام للصندوق، أو لإدارة الحساب واستخدامه، ولم يحدد المسئولون عن إدارته، والمشروعات المنوط به الإنفاق عليها، وهل هذا الصندوق لتمويل الميزانية أم هو خارجها، وما هو الربط المقدر له، والمدى الزمني المحدد للمرحلة الأولى له، إن كان ثمة مراحل؟ ولم تعلن أي قرارات مصاحبة وضرورية بالطبع للتقشف وضبط النفقات.

لم يستنهض النداء *رجال الدولة أولاً، والقوى النظامية، والشركات الحكومية، والمؤسسات والهيئات، والشركات الخاصة ورجال الأعمال، والأندية الرياضية، والجمعيات الخيرية، ورئيس الوزراء نفسه الذي أبقى يده مغلولة إلى عنقه في مبادرته وقد كان أحرى به أن يقدم النموذج ويصنع القدوة. *

أن السيد حمدوك لا ينطلق في إدارته للبلاد من خلفية مهنية أو خبرة إقتصادية كما يحاول أن يوحي من خلال أحاديثه الصحفية، أو كما تروج الدعاية التي يطلقها مناصروه أو نشطاء قوى الحرية والتغيير المستفيدين من ضعف مبادراته، وعدم متابعته لشئون الحكم والإدارة، واستعانته بمساعدين على درجة ملحوظة من ضعف القدرات والخبرات يسهل توجيههم وقيادهم.

إن نداء القومة للوطن هو *حلقة من حلقات الارتباك في إدارة الشأن الاقتصادي في البلاد والذي يمكن ملاحظته في أداء رئيس الوزراء، ووزير المالية ومستشاريه الذين لا يصلحون لشيء مثل نادية نور (التي أتوا بها من منزلها)، ووزير التجارة الذي تشهد قراراته القائمة والملغاة على تفريط غير مسبوق في استحقاقات الوظيفة العامة وتأهيل القائمين عليها.*

إن مشروع القومة للوطن مشروع مرتبك من حيث أن خطاب الإعلان عنه تأسس على مقدمة عن انتشار وباء الكورونا ثم قفز فجأة إلى تعريفه بأنه “دعوة للتبرع الجماعي الذي سيساعد السودان على مواصلة تجليات وإرث الثورة المجيدة” وهذه عبارة غامضة وليس لها معنى إذ تستخدم مفردة (تجليات) بشكل عابث فتزيد الدلالة ارتباكاً وتشويشاً. ما معنى مواصلة التجليات؟

لم يقدم السيد رئيس الوزراء خلال أكثر من نصف عام تولى فيها مهام منصبه مشروعاً واحداً للنهوض في أي قطاع من قطاعات الإنتاج بل اعتمد على استقطاب التبرعات (Fundraising) من الدول الأجنبية أو من جيوب المواطنين الفقراء المنهوبين.

*إن كانت مهمة رئيس الوزراء هي كذلك فإن الغرف الخلفية قد أخطأت اختيار الرجل المناسب وكان أحرى بها تعيين آدم سوداكال أو أشرف الكاردينال أو صلاح ادريس في المنصب فأي من هؤلاء قادر على تأسيس صندوق للتبرعات أوفر مغنماً وربما فاق تبرع أي من هؤلاء ما سيتوفر من صناديق حمدوك كلها على اختلاف أسمائها.*

في الأسبوع الأخير من أغسطس ٢٠١٩م الماضي أطلق حمدوك مشروعاً للتبرعات باسم (دولار الكرامة) ومن الواضح أنه كان اختباراً فاشلاً لقدرته على المبادرة، وقبل ٣ أسابيع دشن ناشطون بمساندة حكومته مشروعي (جنيه حمدوك) و(دولار حمدوك) ولم يسفر كلاهما عن ثمرة ناضجة وخلال ذلك أطلقت مشروعات شبيهة أقل اشتهاراً وأكثر كساداً.

إن عجز الإدارة المالية والاقتصادية لحمدوك لا يحتاج إلى إشارة وقبل السؤال عن المال ينبغي عليه إبلاغ الجماهير عن أين وكيف سينفق هذا المال. نسأل الله أن يغفر لمن دفعوا ذنبهم، وأن يعوضهم عن مالهم ثواباً وأجراً.

محمد عثمان إبراهيم

(الصيحة ٥ أبريل ٢٠٢٠م)

Exit mobile version