اعتبرت العالمة البيولوجية، أنشا بارانوفا أنّه لا يمكن توقع نهاية سريعة لوباء كورونا، إلا بحدوث “معجزة بيولوجية” كأن يسيطر الطقس الحار لفترات طويلة أو أن يضعف الفيروس فجأةً خلال انتقاله من إنسانٍ لآخر.
ومضت بارانوفا الحائزة على درجة دكتوراة في العلوم البيولوجية، إلى القول: أنا لا أظن أنّ المعجزة البيولوجية تقتصر على حلول طقس حار، بل أتفهّم أيضاً أن ذلك يشمل حقيقة أن يتحوّل الفيروس ويتطوّر بطريقة تجعله أقل (شراً) وعدوانيةً، ويقل من ثمّ عدد حالات الإصابة الشديدة به.
المُهم ماذا ننتظر نحن.. عندما ينتظر علماء في مصاف الدكتورة أنشا أستاذة الأحياء البيولوجية في GMU School of Systems Biology في الولايات المتحدة الأمريكية بفارغ الصبر.. حلول طقس حار، أو أن يتطوّر الفيروس من تلقاء ذاته ليصبح أقل شراً وعدوانية؟!
بل ربما أنّني اليوم فقط أفهم ولأوّل مرّة.. قولاً جرى مجرى المثل يُستدل به يقول: “لقد وقف حمار الشيخ في العقبة”. فعندما يقف أرفع العلماء هائمين على وجوههم يتطلّعون فقط للفح صيف حار، أو لمُعجزة تحيل بين غمضة عين وانتباهتها بُعبُع الدنيا المُخيف “كورونا” إلى حملٍ وديعٍ أقل شراً وعدوانيةً.. لا بُدّ أن استدرك نفسي وبإلحاحٍ شديدٍ، أنا العبد الضعيف التائه هُنا، بين تضاعيف هذا السواد الأعظم من مملكة “مولاي الشعب الأسمر”.
فإنّ استدراكي والحال هكذا لن ينشأ من فراغٍ بالضرورة، بل من مُفارقات مُقلقة جداً تقول بها الأرقام وحدها.. وكفى بالأرقام حاسباً ودليلاً.
وبالتأكيد، فإنّ هذه الأرقام المُخيفة المُذهلة هي من تحليلي لبيانات وزارة الصحة السودانية لا من مصادر غيرها.. ولك أن تتصوّر بأنّ منظمة الصحة العالمية تقدّر مُعدّل الوفيات العالمي الناجم عن فيروس كورونا بنسبة 3.4% من جُملة أعداد المُصابين، في حين تقول إحصاءات وزارة الصحة المعلنة رسمياً إلى الآن على الأقل.. إن فيروس كورونا تسبب في حالتي وفاة من بين 6 مُصابين بالمرض.. أي أن نسبة الوفاة بين المُصابين في السودان تتجاوز في الحقيقة 33%، بما يفوق المُعدّل العالمي بأضعاف مُضاعفة.. وهي نسبة ربما تضع السودان بلا مُنافس في أعلى قائمة الدول التي يتوفى مصابوها بالفيروس، وهذا هو بالطبع مربط الفرس المُفزع للغاية.
فرئيس قسم الإحصاءات بمنظمة الصحة العالمية روبرت كوفي، يقول إنّ احتمالات الوفاة بالفيروس تخضع لعدة عوامل أبرزها سن المتوفي، وجنسه.. ذكراً أو أنثى، وحالته الصحية العامة، ثُمّ النظام الصحي لدولته.
وبإمعان النظر في تفاصيل حالتي الوفاة المعلنتين بالسودان.. نجد أنّ الراحلين من الذكور، وأنهما في سن تُناهز الستين، وأن سجل حالتيهما الصحي لا يخلو من أمراض مزمنة أخرى.. بيد أن الطامة الكبرى التي أوردت هؤلاء وأولئك موارد الهلاك.. المُؤكّد والمنتظر، تظل هي طامة النظام الصحي الذي خلّفه النظام المُباد.
الجميل الفاضل
الصيحة