قالت مجلة ”فورين بوليسي“ الأمريكية، إن أفريقيا يمكن أن تعاني من عواقب وخيمة جراء انتشار فيروس كورونا المستجد في القارة، بعد أن سجلت معظم دول أفريقيا الـ54 حالات إيجابية للإصابة بالمرض.
وأضافت في تقرير نشرته اليوم الجمعة: أن ”العواقب العنيفة التي تنتظرها أفريقيا نتيجة انتشار فيروس كورونا، تأتي في ظل البنية التحتية الصحية الضعيفة في معظم دول القارة، إضافة إلى ضعف أنظمة الرعاية الاجتماعية، بالنسبة للدول الأفريقية، ولذلك ستؤدي الصدمة إلى تراجع كبير في العائدات، وتباطؤ النمو الاقتصادي“.
إجراءات متأخرة لمواجهة كورونا
ومع ذلك، فإن القارة الأفريقية يمكنها التعافي من عواقب انتشار فيروس كورونا المستجد، كما فعلت من قبل مع مرض ”الإيبولا“، إذا تحرك قادتها بجدية شديدة لمواجهة المرض، وساهم المجتمع الدولي أيضا في تقديم المساعدة العاجلة للقارة السمراء.
وتأخرت بعض الدول الأفريقية في التحرك تجاه الأزمة، من خلال بعض الإجراءات التي اتخذتها لمنع انتشار فيروس كورونا عبر حدودها.
فقد قامت دول مثل جنوب أفريقيا، وغانا، والغابون، وكينيا، بمنع الرحلات الجوية من الدول التي تعاني من تفشي الفيروس، في حين أوقفت المغرب جميع الرحلات الدولية.
وقامت رواندا ومالي وجمهورية الكونغو الديمقراطية بتطبيق إجراءات العزل الصحي على المسافرين من دول متأثرة بالمرض، كما تخطط جنوب أفريقيا لإقامة جدار على حدودها مع زيمبابوي للحدّ من دخول المهاجرين حاملي الفيروس.
عواقب اقتصادية وخيمة
وتابعت المجلة قائلة: ”رغم أن الأزمة صحية في المقام الأول، فإن الوباء يهدد بإضعاف الاقتصادات الأفريقية، خاصة في الدول والقطاعات التي تعتمد في المقام الأول على التجارة.
وقال تقرير للجنة الاقتصادية الخاصة في أفريقيا، التابعة للأمم المتحدة، إن القارة يمكن أن تفقد 1.4% من نمو الناتج الإجمالي المحلي، نتيجة الوباء، وهو رقم متحفظ أكثر من اللازم، في ضوء الدمار الشامل للتجارة والنشاط الاقتصادي في العالم.
وفي ظل المعاناة التي تتعرض لها نتيجة تراجع أسعار النفط، فإن دولا أفريقية مصدرة للنفط مثل أنغولا ونيجيريا يمكن أن تفقد 56 مليار دولار من عائداتها النفطية، كما أن زيادة الإنفاق على الرعاية الصحية يمكن أن يصل إلى 10.6 مليار دولار في القارة الأفريقية.
ويتوقع مركز ”بروكنغز“ أن تصل نسبة التراجع في نمو الناتج الإجمالي المحلي في دول جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى إلى 2.1%، إذا استمر الوباء والاضطرابات الاقتصادية المصاحبة له لفترة طويلة.
ومضت ”فورين بوليسي“ تقول: ”حتى في ظل نجاح الدول الأفريقية إلى الآن في احتواء التأثير الكامل لانتشار الوباء، فإنها تعرضت لصدمات قوية مثل انهيار التجارة وسلاسل الإمدادات، حيث تعتمد العديد من الدول الأفريقية على الصادرات إلى الصين، وعلى رأسها أنغولا، وجنوب أفريقيا، والكونغو، إضافة إلى جنوب السودان، وكينيا، وناميبيا، ورواندا“.
تأثير التجارة مع الصين
والدول التي ستكون أكثر تضررا هي تلك التي تعتمد في صادراتها من النفط والبضائع الأخرى على الصين إلى حد كبير، وتمثل المشتريات الصينية 95% من صادرات جنوب السودان، وعلى سبيل المثال، تمثل 61% بالنسبة لأنغولا، و58% بالنسبة لدولة إريتريا، التي ستتعرض إلى الدمار نتيجة انهيار تجارتها مع الصين.
ويمثل عدم وصول الواردات إلى الموانئ الأفريقية أزمة أخرى أيضا، ففي جنوب أفريقيا أدى تراجع الواردات ونقص البضائع إلى ارتفاع كبير في التضخم، الذي وصل حاليا إلى أعلى مستوى له منذ 17 شهرا، وتسبب النقص في واردات البضائع الرئيسية في غانا إلى ارتفاع أسعار بعض المواد الأساسية إلى الضعف، ومن بينها الغذاء.
وقامت بعض الدول مثل رواندا بوضع سقف لتسعيرة بعض البضائع الغذائية الأساسية مثل الأرز وزيت الطهي، كما أن صغار المستوردين والتجار والمستهلكين يشعرون بالضرر الشديد أيضا، وبشكل خاص في نيجيريا، وأوغندا، وموزمبيق، والنيجر، حيث يحصل قطاع عريض من الفقراء على رزقهم من التجارة في البضائع الصينية، مثل المنسوجات والأجهزة الإليكترونية والأدوات المنزلية.
انهيار السياحة
وأردفت المجلة أن ”الأزمة الكبيرة ستكون في قطاع السياحة، المصدر الرئيسي للعائدات في العديد من الدول الأفريقية، حيث زار ما يقرب من 67 مليون سائح أفريقي خلال عام 2018، وتوفر تلك الصناعة 24.3 مليون فرصة عمل، وتمثل 8.5% من إجمالي الناتج المحلي.
والدول الأكثر تضررا في مجال السياحة هي سيشل، والرأس الأخضر، والمغرب وموريشيوس، إضافة إلى دول أخرى، حيث ألغت جنوب أفريقيا 162 رحلة دولية وإقليمية منذ 18 مارس/ آذار إلى نهاية الشهر، نتيجة تراجع الطلب على السفر، وقيود السفر المفروضة نتيجة انتشار الوباء“.
كما تعاني العديد من الدول الأفريقية من ضعف شديد في أنظمة الرعاية الصحية، لأنها غير مؤهلة تماما لمواجهة الأوبئة، حيث قامت القليل من دول القارة بإجراء اختبارات على مواطنيها لمعرفة حقيقة إصابتهم بفيروس كورونا.
وعززت بعض الدول أنظمة الرعاية الصحية لديها منذ انتشار ”الإيبولا“ في الفترة بين 2014 إلى 2016، وأصبحت في وضع أفضل للتعامل مع كورونا، ولكن معظم الدول الأفريقية لم تتعلم من درس أزمة ”الإيبولا“، والتي أدت إلى تراجع الناتج الإجمالي المحلي في ليبيريا وحدها بنسبة تتراوح بين 13.7% إلى 18.7% بين عامي 2014 و2017.
وأكدت ”فورين بوليسي“ الحاجة الماسة لموارد استثنائية لاحتواء وباء كورونا، إلا أن معظم الدول الأفريقية، خاصة تلك التي تعاني من هشاشة وضعها الاقتصادي، تلاحقها أزمة الديون، ولديها في الأساس عوائد قليلة للغاية من الضرائب، ومؤسسات ضعيفة، وكذلك عدم فعالية الدور الحكومي.
وتستطيع أفريقيا أن تنجو من أزمة كورونا، وستتعافى أنظمتها الاقتصادية، كما حدث من قبل مع ”الإيبولا“، ولكن هناك إجراءات يجب اتخاذها على الصعيد الرسمي كي يتم الإسراع بعملية التعافي، حيث يجب أن تسير الدول الأفريقية على نفس النهج الذي قامت المغرب بتطبيقه، من خلال حظر السفر الشامل، وإستراتيجيات الاحتواء الأكثر صرامة.
كما يجب أن تكون هناك مبادرات للحماية الاجتماعية، والتدخل المباشر للتعامل مع الأزمات الأكثر إلحاحا، في ظل الحالة المزرية لأنظمة الرعاية الاجتماعية في القارة السمراء.
إرم نيوز