فقدت بلادنا أحد أبرز قادتها العسكريين، وزير الدفاع الوطني الفريق أول “جمال عمر” الذي رحل عن دنيانا الفانية في ساعة مبكرة من صباح أمس (الأربعاء) بمقر إقامته في “جوبا”، وهو يؤدي واجب الوطن بحثاً عن السلام والاستقرار لأهله في جبال النوبة والنيل الأزرق وولايات دارفور .
كان الراحل حتى آخر لحظة في حياته ساهراً على محادثات السلام مع الحركة الشعبية – شمال، يسعى في إنجاز الشكل النهائي لاتفاقية الترتيبات الأمنية مع الحركة ، لتكون نموذجاً – كما قال- لبقية الاتفاقيات مع جميع الحركات المسلحة بما فيها حركة “عبدالعزيز الحلو” .
وثار لغطُ كثيرٌ حول أسباب وفاة وزير الدفاع في غرفته بأحد فنادق”جوبا” بعد شكوى من آلام حادة جهة القلب ، أدت إلى وفاته بالذبحة الصدرية ، فطالبت أسرته وأهله في هيئة تطوير منطقة “حجر العسل والبسابير” بتشريح جثته ، لمزيد من الاطمئنان وإزالة الشكوك حول أسباب الوفاة ، واستجابت قيادة القوات المسلحة للطلب وأمرت بتشريح الجثة في مستشفى السلاح الطبي بأم درمان، وحسناً فعلت .
حتى لو كانت الوفاة طبيعية نتيجة الإجهاد والرهق والسهر في مفاوضات مضنية وعسيرة ، ما أدى إلى ارتفاع ضغط الراحل وتعرضه لذبحة صدرية ، فإن وفاته قد كشفت عن ضعف إجراءات التأمين حول قادة الجيش السوداني في حِلهم وترحالهم، خاصةً المشاركين في محادثات السلام في مدينة سهلة الاختراق ، كثيرة الثغرات، يجوس فيها عملاء المخابرات الدولية والإقليمية، ويرتادها جواسيس محترفون تحت غطاء منظمات دولية وهيئات إغاثة عالمية.
وقبل وفاة الفريق “جمال” بشهرين ، تعرض الفريق “ياسر العطا” في “جوبا” ذاتها إلى وعكة صحية شديدة ما يزال متأثراً بها !
وفي “الخرطوم” توعك الرئيس الفريق أول “عبدالفتاح البرهان” قبل أسابيع، وخضع لفحوصات ومراجعات طبية في المستشفى العسكري، تماثل بعدها للشفاء العاجل .
كل هذه الوعكات الصحية .. ينبغي أن تثير الأسئلة ، إن لم تثر الشكوك، حول إجراءات التأمين وسد الثغرات التي تنفذ منها الاستخبارات الأجنبية .
فقد صارت “الخرطوم” بعد الثورة ، مرتعاً لأجهزة المخابرات الدولية والإقليمية، وأصبحت حركة (الأجانب) وبعض السودانيين من أصدقاء السفارات، واسعة ومفتوحة وبلا قيود ، فنحن في عهد الحريات (المطلوقة) ، بعد تحجيم وتقزيم جهاز الأمن والمخابرات السوداني ، تحت وطأة زعيق المهووسين وغير الناضجين، واستجابة لنصائح وإشارات خارجية لتفكيك جهاز الأمن ، حتى إذا ما تعرض موكب رئيس الوزراء لحادثة اعتداء مجهولة المُدبِر والمُنفِذ حتى اليوم، استيقظت الحكومة وسعت لتكوين جهاز أمن داخلي جديد !!، من أين تأتون له بالخبراء أصحاب الدِربة والتجربة ؟! ألم يكن في تنشيط إدارات كانت تعمل بجهاز الأمن القديم وتطعيمها ، أجدى من إنشاء جهاز جديد يُجمع له ضباط من الجيش والشرطة بلا خبرة في العمل الاستخباري؟!
رحم الله الفريق “جمال عمر” وتقبله شهيداً في جنات الخلد مع النبيين والصديقين وحسن أولئك رفيقاً.
(إنا لله وإنا إليه راجعون).
الهندي عزالدين
المجهر