يبدو أنّ قيامة “كورونا” باتت تحوم فوق رؤوسنا.. فعندما تقول هيئة الصحة العالمية: إن السودان أكبر خطر مُحتمل، وإنه سيكون بؤرة أخرى لتفشي فيروس “كورونا”.. لا أتصوّر أن المنظمة الدولية المعنية بصحة الإنسان على ظهر هذا الكوكب تمزح، أو أنها تنطق عن هوى.
فالسودان وفق تقديرات المُنظمة.. غير الجزافية بالطبع، بات ضمن الدول الأكثر خُطورةً باحتمال تزايد الإصابات فيه، من واقع عدم الاكتراث الذي يبديه غالب سكان البلاد من مخاطر انتقال الفيروس الراجحة أو المُحتملة، عَلاوةً على ضعف البنيات التحتية لخدمات الصحة المُتدهورة أصلاً.
إذ تقر وزارة الصحة على علاتها المُستفحلة، أن مُراقبتها لأحوال القادمين من الدول الموبوءة لا تتجاوز نسبة 54% من جملة ألف و553 شخصاً دخلوا البلاد.
الآن وقبل أن تقع فأس “كورونا” على أكثر من رأس غير آبهٍ، أينع للحصاد بلا مُبالاته وعدم اكتراثه.. لا بُدّ أن نستأنس بحكمة النملة الصغيرة العرجاء “حرس” التي وثق القرآن خبرها بقوله تعالى:
(حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ).
إن النملة “حرس” وهي تقوم بدور المخبر الصحفي في هذا المقام.. تقرع جرس الخطر، بإطلاقها إنذاراً مُبكِّراً لمعشر النمل كي يدخلوا مساكنهم قبل أن يحطمنهم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون.. ينبغي أن يهدي ذلك الإعلام إلى ما يجب عليه أمام مثل هذه الأخطار المُتنامية يوماً بعد يوم.
صحيحٌ، إن أخباراً تشيع عدم القدرة عن السيطرة على المرض، ستفضي إلى ما يُسمى بـ”الالتهاب العاطفي” الذي يُؤثِّر على الصحة الجسدية والنفسية والعاطفية للمتلقين.
لكن والحال هكذا ليس بمقدور الصحفي بيع السلعتين في الوقت ذاته؛ سلعة التنبيه للأخطار، وسلعة التطمين منها.
المهم أتصوّر أنّ رواية إنسانية لطبيب إنجليزي من شأنها أن ترسم صُورةً أقرب لواقع هذا المرض ومخاطره الكبيرة.
إنّها شهادة مُخيفة وصادمة لشخصٍ عاش المأساة لحظةً بلحظةٍ، روى كيف كان الوضع في المستشفى الرئيسي بلندن، وكيف كان الأطباء والمُمرضات عاجزين وهم يُشاهدون المرضى يموتون.
ويقول هذا الطبيب: “كنا نظن أن خدماتنا الصحية معدة لتحمُّل الفيروس التاجي، لكن الأيام القليلة الماضية جلبت لنا حقيقة مُخيّبة للظن”.
فهل سبق أن رأيت شخصاً يلهث لآخر أنفاسه؟ بالنسبة لأولئك الذين شهدوا المَوقف لن يتمكّنوا من نسيانه للأبد ولا نسيان حالة الرُّعب المُتزامنة معه.. أتمنى أن أنسى كل وجوه الموتى التي رأيتها الأسبوع الماضي.
الذُّعر الذي ظهر على الوجوه، الصوت المُضطرب الذي يصدر عن المرضى وهم يُحاولون بيأسٍ للحُصُول على الأوكسجين، ويفشلون في إيصاله لرئتيهم.
أنا طبيب منذ أكثر من عقد.. كُنت أظن أنّني رأيت كل ما يُمكن رؤيته في حياتي المهنية، لكن أعتقد أنّ ما جعلني فيروس “كورونا” أعيشه فَاقَ كل التوقُّعات.
الجميل الفاضل
الصيحة