سَدّ النهضة في السَّاحل

*منتصف العام 2015م، كُنت برفقة عددٍ من الزملاء في زيارة لسد النهضة بالشقيقة إثيوبيا برّاً، وكان هذا أجمل، في هذه الزيارة التي طُفنا من خلالها على العديد من المُدن الإثيوبية، ورأينا جمال الطبيعة الخلاّب لتلك البلاد.

*منذ دخولنا الأراضي الإثيوبية، كانت مُلاحظتنا الأولى هي هطول الأمطار على مدار الساعة، وشاهدنا كيف تجري تلك المياه وسط الجبال والسُّهول الخضراء.

*وحينما وصلنا إلى المنطقة المُحدّدة لتشييد السد، دُهشنا من الحجم الضخم لهذا التشييد، وقلّنا حينها بالفعل إنّه “سد الألفية”، خَاصّةً إذا قُورن بالسد العالي في مصر الذي يُعتبر أيضاً ضخماً، وما كان بالإمكان مُقارنته بسد مروي لتواضُع ما نملكه من خزان وما تُخطِّط إثيوبيا لإنشائه بالقُرب من الحُدود السُّودانية قبالة ولاية النيل الأزرق.

*منذ تلك الرحلة وحتى اليوم، ما زال الجدال مُستمرّاً بين دول حوض النيل حول فوائد سد النهضة ومخاوفه، وما يهمنا نحن في السُّودان إنّنا سنستفيد كثيراً من هذا السد، ولكن أيضاً لدينا مخاوف وتحفُّظات يجب أن تُوضِّح للرأي العام من قِبل الحكومة الإثيوبية.

*الأيام الماضية، شهدت مدينة بورتسودان، انعقاد ورشة نظّمها تجمُّع المُهندسين السُّودانيين بولاية البحر الأحمر في إطار مسؤولیته الوطنیة، تناولت من خلالها مخاطر سد النهضة عبر ثلاث أوراق عمل.

*الورشة خَرَجَت بالعديد من التّوصيات، كَانَ أهمّها هو أن يكون السَّد آمناً بالنسبة للسُّودان، وإذا حدث ضررٌ ستكون العواقب وخيمة جداً، وخرجت الورشة بأن لا تُوقِّع الحكومة السُّودانية على أيِّ اتفاقٍ قبل أن تُقدِّم الحكومة الإثيوبية دراسات شاملة لأمان السد والآثار البيئية والاجتماعية، على أن تُملّك هذه المعلومات للشعب السُّوداني بشفافيةٍ تامةٍ.

*ومن التوصيات، أيضاً أن يكون هُناك ضامن الأمن المائي للسودان بإيفاء الحكومة الإثيوبية بالبنود المُتّفق عليها وتقديم خطابات التأمين لأيِّ أضرار قد تحل بالسُّودان نتيجة قيام السد.

*حسناً.. الورشة التي عُقدت في المدينة الساحلية، تحدّث فيها خُبراء على درايةٍ تامةٍ بهذا النوع من المشروعات، وعلى الدولة النظر لتلك التّوصيات بعينٍ فاحصةٍ حتى لا يحدث ما لا يُحمد عقباه.

*منذ زيارتنا لسد الألفية ونحن نرى بعين المُراقبين مَدَى خُطُورة السد على السُّودان إذا حدث له ضرر “لا قدّر الله”، مع العلم أنّ المُهندسين الذين شَيّدُوا هذا الصّرح الكبير على قَدرٍ عَالٍ من الكفاءة الفنية والخِبرات المُتراكمة، ولكن دوماً لا بُدّ من الحذر من مثل هذه المشروعات التي قد يَكون الضرر فيها لا علاج له.

*نعلم أنّ السُّودان سيستفيد كثيراً من قيام سدّ النهضة، ولكن هذا لا يعني أنه لا تُوجد مَخاطر بيئية واجتماعية على أهل السودان، ومُهمّة الدولة هي المُحافظة على البلاد من هذه المخاطر، وهذه الفائدة تكون بالاستفادة من مثل هذه الورشة التي يعقدها مُختصون كما فعل تجمُّع المُهندسين السُّودانيين بالبحر الأحمر.

*نرجو أن تكون فائدة البلاد من مشروع القرن في الشقيقة إثيوبيا أكثر من ضَرَرِه، كَما نأمل أن تأخذ تَوصيات ورشة تَجمُّع المُهندسين وغيرها من الورش بعين الاعتبار لفائدة البلاد والعباد.

جعفر باعو
الصيحة

Exit mobile version