كورونا في السودان .. جدل بشأن “الإصابة الأولى” وتجارة في الأزمة

ما بين مد وجزر، يتأرجح المشهد السوداني عقب الإعلان الرسمي عن دخول فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) للسودان، ووفاة أول مصاب، وهو رجل خمسيني عائد من الإمارات العربية المتحدة.

ومنذ أمسية يوم الجمعة الماضي، تصاعد الخوف والهلع بين الناس، ونظر كثيرون إلى الأمر بعين الجدية، وشرعوا فورا في البحث عن السبل الكفيلة للوقاية من الوباء القاتل.

وبدت شوارع الخرطوم شبه خالية، غداة منح إجازات لموظفي العديد من الوزارات والمؤسسات الحكومية والخاصة، تتفاوت مدتها من مؤسسة لأخرى، توقيا من تفشي الفيروس.

بيد أنه طفا على سطح التطورات بيان منسوب لأسرة الشخص المتوفى، يتهم وزير الصحة دكتور أكرم علي التوم بالمغالطة في سبب الوفاة، ويعتزم مقاضاة وزارة الصحة.

وتسبب هذا التشكيك في تداعيات سلبية، يخشى كثيرون أن تلقي بظلالها على ثقة المواطن بالحكومة، وتهيئ مناخا لانتشار الشائعات.

وازداد التوتر مع انتشار أخبار على منصات التواصل الاجتماعي عن اكتشاف حالات متفرقة، وعن

دخول أجانب دون وضعهم في الحجر الصحي، وعن رفض سودانيين قادمين من دول موبوءة، الخضوع للفحوصات.

وأعلنت وزارة الصحة حجز 44 من مخالطين وقادمين من دول تفشى فيها الوباء، فضلا عن عزل عشرة أشخاص آخرين بمراكز مختصة بولاية الخرطوم، يشتبه في إصابتهم بالفيروس.

وجدد وزير الصحة في مؤتمر صحفي عقده مساء الثلاثاء تأكيد خلو السودان من أي حالة، عدا الحالة التي تم الإعلان عنها يوم الجمعة وأثارت الجدل.

ورغم أن المؤتمر الصحفي لوزير الصحة، قطع قول كل خطيب بشأن وجود الفيروس في السودان، فإن الجدل استمر بشكل محتدم في الأوساط السودانية.

حيرة في الشارع

ويبدي الطالب الجامعي أحمد خالد استغرابا من هذا الجدل، قائلا للجزيرة نت إن الإجراءات التي قامت بها السلطات المختصة تدل دلالة قاطعة على تفشي الوباء.

وتساءل خالد عن “سبب تعريض الحكومة نفسها لخسائر فادحة بإغلاق المطارات والمعابر الحدودية وتعطيل العمل في المؤسسات الحكومية والخاصة، إذا لم يكن هنالك أمر جلل يتعلق بحياة الناس؟”.

من جهته، قطع محمد نصر الدين محجوب -وهو موظف بإحدى الشركات الخاصة- بوجود العديد من

الإصابات في السودان، غير الحالة التي أعلنت عنها وزارة الصحة يوم الجمعة الماضي.

واستدل نصر الدين في حديثه للجزيرة نت بالإجراءات المتسارعة التي ظلت تتخذها السلطات المختصة، منذ الـ13 من الشهر الجاري، والتي أفضت إلى حدوث شلل تام بالحياة العامة في الشوارع والمؤسسات الحكومية والخاصة.

وفي المنحى نفسه، يؤكد النعيم محيي الدين عبد الله وجود إصابات في السودان، ويرجع ذلك في حديثه للجزيرة نت إلى عدم إعلان الحكومة عن هذه الحالات لتحوطات وصفها بالأمنية والسياسية والاقتصادية.

تطمين ومناشدة

في المقابل، ينفي الموظف بقسم الطوارئ بمستشفى الراقي بالخرطوم، الدكتور محمد يوسف إبراهيم ما يروج في الشارع من وجود حالات تتستر عليها الحكومة، ويطالب بضرورة التعامل الجدي مع أرقام وإحصائيات وزارة الصحة لأنها تعتمد على فحوصات مخبرية تقوم بها فرق عمل مختصة.

واستبعد يوسف وجود موقف سياسي للحكومة، مناشدا المواطنين بضرورة التزام التوجيهات الوقائية والتعامل بجدية مع الإجراءات الاحترازية التي وضعتها السلطات المختصة.

وطمأن محمد يوسف المواطنين، بعدم التخوف والهلع، وقال إن كورونا يقضي فترة محددة داخل الجسم ويمكن هزيمته بالتزام العناية الطبية وتقوية المناعة الجسدية.

نفي الاتهامات
اعلان

من جهته، نفى مدير إدارة الطوارئ بوزارة الصحة الاتحادية دكتور بابكر المقبول اتهامات الشارع بوجود أكثر من حالة إصابة في السودان، وقال للجزيرة نت إن الفحوصات المعملية لم تثبت حتى الآن غير حالة واحدة تم الإعلان عنها يوم الجمعة الماضي.

وبين المقبول أن وزارته مرتبطة بعدة جهات معنية بإجراء الفحوصات اللازمة للتأكد من وجود الفيروس أو عدمه، مؤكدا دقة الإحصائيات التي يتم الإعلان عنها.

وعبر مدير إدارة الطوارئ بوزارة الصحة الاتحادية عن استغرابه من حملة التشكيك بشأن تشخيص حالة المصاب المتوفى الجمعة الماضي، وطالب المشككين بتقديم دليل بعكس ذلك، حتى يتسنى لوزارة الصحة تقديم اعتذار أمام الرأي العام، وإلا فعلى هذه الجهات أن تعتذر عن حملتها المشككة في إعلان الوزارة، على حد قوله.

نُـدرة في الكمامات

وإزاء هذه التطورات، اختفت الكمامات الطبية من الصيدليات ومتاجر المستلزمات الطبية، وأصبحت تباع في الشوارع العامة، وعند إشارات المرور بأسعار مضاعفة عشرات المرات.

وفي السوق السوداء، ارتفع سعر الكمامة الطبية، من خمسة جنيهات إلى مئتي جنيه، وفي بعض الأحيان إلى ثلاثمئة جنيه (أكثر من ستة دولارات)، في وقت تباع فيه داخل الصيدليات بستين جنيها إن وجدت.
اعلان

وتقول دكتورة مآب صلاح صاحبة صيدلية في الخرطوم، إن الكمامات اختفت فجأة من الصيدليات بسبب الطلب المتزايد عليها من قبل أشخاص كان يشترونها بكميات كبيرة، قبل الإعلان عن ظهور فيروس كورونا في السودان.

وتبدي دكتورة مآب أسفها لحالة الجشع التي أصابت الكثير من السودانيين، قائلة للجزيرة نت إنها لاحظت بيع الكمامات في الشوارع وأمام إشارات المرور ما يعرضها للتلوث ويقلل من قيمتها الطبية.

تجارة في الأزمة

وفي السياق، يتهم فتح الرحمن رحمة وهو طالب جامعي، جهات لم يسمها بالمتاجرة ومحاولة الاستثمار في الأزمة الحالية، باستغلال حالة الخوف والهلع التي ضربت الناس جراء انتشار كورونا.

ويروي رحمة للجزيرة نت قصته مع الكمامات التي قال إنها كانت تقدم من أصحاب بعض الصيدليات خلال اندلاع التظاهرات مع بداية الثورة الشعبية، بالمجان لمواجهة الغاز المدمع، ويبدي أسفا لما وصفه بتخاذل أصحاب الصيدليات في وقت الحاجة الماسة حاليا مع ظهور كورونا الذي قد يودي بحياة الكثيرين.

المصدر : الجزيرة نت

Exit mobile version