أمهات ذكرن في القرآن: أم موسى التي أوحى الله إليها وربط على قلبها

قبل عيد الأم التي كرمها الإسلام، وذكرت مصادره الأصلية، القرآن والسنة، قصصًا لأمهات مؤمنات كانت لهن حكايا عظيمة سطرت باسمائهن في التاريخ، وخرج من أرحامهن رجالًا عظماء، يرصد مصراوي بعض قصص هؤلاء الأمهات العظام الذي ورد ذكرهن في القرآن الكريم مثل يوخابذ، أو أم موسى ومريم العذراء عليها السلام، وما ذكر السنة وأخبار الصالحين..وفي الموضوع التالي يرصد مصراوي قصة أم موسى، الصابرة المؤمنة، إحدى النساء القلائل التي ذكر القرآن أنها تلقت وحيًا إلهيًا بشكل أو بآخر، رغم اختلاف المفسرين حول نوع هذا الوحي.

ولدت أم موسى وعاشت في مصر من أسرة كريمة وعريقة وصالحة، وقيل اسمها محيانة، وقيل يوخابذ، وقيل يارخا، تزوجت أحد أبناء يعقوب عليه السلام، وهو عمران بن قاهت بن لاوي بن سيدنا يعقوب عليه السلام، وذكرت قصة أم موسى في موضعين من القرآن الكريم، أولهما في سورة طه، والآخر في سورة القصص، وتتحدث تلك الآيات عن أنها تلقت وحيًا بأن ترضع ابنها موسى ثم تضعه في صندوق وترميه في النيل خوفًا من بطش فرعون ، فكان حينها يقتل كل أبناء بني إسرائيل بسبب حلمًا رآه أن مصرعه سيكون على يد طفل من بني إسرائيل. ومع ذلك الوحي، كان هناك وعدًا من الله سبحانه وتعالى بأنه سيحفظه ويرده إليها ويجعله من المرسلين.

يخبرنا الله سبحانه وتعالى في سورة القصص بقصة أم موسى قائلًا جل شأنه: “وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ * فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ * وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ * فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ”. القصص: 7 – 13

يفسر الطبري الآيات السابقة ملفتًا النظر أن الوحي الذي أنزل على أم موسى ليس وحيًا كوحي الأنبياء، وإنما هو وحي قذفه الله تعالى في قلبها، أما ابن كثير في “قصص الأنبياء” فيقول أن الوحي كان وحي إلهام وإرشاد كما أوحى الله إلى النحل في قوله تعالى: “وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتًا…”، وابان ابن كثير أن الصواب في تفسير الوحي هو هذا الرأي وهو مذهب أهل السنة والجماعة، خالفهم فيه ابن حزم وغيره من المتكلمين.

في نبوءة فرعون بمصرعه على يد طفل من بني إسرائيل كان قراره بأن يذبح كل من ولد من بني إسرائل سنة ويتركوا سنة، ففي السنة التي يذبحون فيها ولدت أم موسى، واختلف المفسرون في العمر الذي ألقته فيه في النيل، حيث قال البعض أن ذلك حدث بعد ميلاده بأربعة أشهر وذلك لأنه حين يبلغ ذلك العمر يصعب كتمه لصياحه طلبًا للإرضاع.

وقال بعض المفسرون أنها كانت تضع له صندوقًا في بستان بجوار النيل، وكانت تأتيه كل يوم لترضعه وكان يكفيه ذلك، بينما قال آخرون أنها ألقته بعد أن انجبته وارضعته في تابوت صنعه لها أحد النجارين.

عثرت جواري فرعون على تابوت مغلق، وخافوا أن يفتحوه حتى وضعنه بين يدي “آسية بنت مزاحم” زوجة فرعون، فلما فتحته رأت وجهه يتلألأ بأنوار النبوة ووقع في قلبها حبه، وحين جاء فرعون وعرف بأمر الطفل وأمر بذبحه دافعت عنه قائلة: “قرة عين لي ولك”، فقال فرعون: أما لك فنعم وأما لي فلا، أي لا حاجة لي به، وهكذا استقر الحال بموسى عليه السلام في بيت عدوه وعدو الله، فرعون.

“وأصبح فؤاد أم موسى فارغًا” هكذا يصف لنا القرآن الحالة النفسية التي أصبحت عليها أم موسى بعدما ألقت بوليدها في النيل، فأصبحت لا تذكر إلا موسى، ولا شيء في قلبها إلا هم موسى وما حدث وقد يحدث له، فكادت أن تذهب إليهم لتخبرهم أنه ابنها! لولا أن ربط الله على قلبها، فيقول الطبري أنها: كادت أن تقول : هو ابني ، فعصمها الله ، فذلك قول الله “إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها “، وطلبت أم موسى من أخته أن تسير خلف أثره لتعرف إلى أين يستقر به الحال، فرأت كيف ادخله آل فرعون بيتهم وظلوا يبحثون عن مرضعات رفضهن جميعًا، فاقترحت عليهم مرضعة فذهبوا إلى منزلها ليعود مرة أخرى إلى أمه، وفيها قال تعالى: فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق.

مصراوي

Exit mobile version