“الحلو” .. بين الانسحاب والعودة ..!!

تقرير- نجدة بشارة

لَم يَمضِ أكثر من أسبوع فقط على الفيديو المُسرّب والذي حَوَى تهديدات بالانفصال وتفكيك السودان على لسان د. محمد جلال هاشم عضو الحركة الشعبية شمال – جناح الحلو، وقال في ندوة جماهيرية: سنقوم بتفكيك السودان طوبة طوبة، ولن تقم له قائمة في حال عُدنا إلى الدولة الدينية ولم نُطبِّق العلمانية, كما قال: لن نعيش بعد اليوم في دولة غير علمانية، ولو قامت الدولة “الدينية”، قال سننضم إلى الأراضي المُحرّرة ولن نترك الحرب أبداً، لذلك قلنا إنّ هذه هي الفرصة الأخيرة للسلام.. وعلى الرغم من أنّ الفيديو كان قد أثار ردود فعل واسعة بالداخل، إلا أنّ الحركة لم تُبادر بصياغة مُبرِّرات أو توضيحات حول الفيديو لكنها! عادت مُؤخّراً الى طاولة المفاوضات “بجوبا”.

وكان وفد الحكومة قد انسحب من التفاوُض المُباشر مع الحركة سابقاً على خلفية الإساءات الصّادرة من ذات العُضو المُثير للجَدل.. فيما قدّمت الحركة يومها مُبرّرات مُختلفة للانسحاب بأنّها انسحبت لأجل الخلاف حول العلمانية.

وبين هذا وذاك، الكثير من التفاصيل الداخلية، ولا يُخفى على المُتابعين أن الحركة تُعاني من انقسامات حادّة، بعد أن أصدر مجلس التحرير الثوري للحركة في يونيو 2017، قراراً بعزل رئيسها مالك عقار، لتنقسم إلى جناحين، الأول بقيادة الحلو، والثاني بقيادة مالك عقار.

عودة الحلو

ومُؤخّراً أعلن ضيو مطوك نائب رئيس لجنة الوساطة من جنوب السودان لمُفاوضات السلام السودانية، عن مُوافقة “الحركة الشعبية شمال – جناح عبد العزيز الحلو”، على العودة لطاولة التفاوُض مُجدّداً، بعد أن كانت الحركة علّقت التفاوُض بسبب الخلاف حول العلمانية بينها وبين وفد التفاوُض الحكومي، وقال مطوك في تصريحات بمقر التفاوُض في جوبا، إنّ الحركة الشعبية شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو؛ قرّرت مُباشرة المُحادثات حول ملفي العلمانية وحَق تقرير المصير، مُضيفاً أنّ التفاوُض بين الجانبيْن قد يكون في غُضُون أيام، وتساءل مُتابعون عن خفايا ما يجري تحت الطاولة بمنبر جوبا؟ وما هي أسباب عودة حركة الحلو؟

ما وراء الانسحاب

وكان وفد الحكومة السودانية لمُفاوضات سلام جوبا قد انسحب سابقاً من جلسة المُباحثات المُباشرة مع الحركة الشعبية “شمال” برئاسة عبد العزيز الحلو، اعتراضاً على مَا وَصَفَهُ بـ”الإساءة” من أحد أعضاء وفد الشعبية المُفاوض.. الأنباء القادمة من جوبا وقتها أشارت إلى أن وفد الحكومة التفاوُضي انسحب من الجلسة المُباشرة عقب رفض الحركة الشعبية “شمال” الاعتذار عمّا وصفه بـ”الإساءة” التي تعرّض لها الوفد من عُضو وفدها المُثير للجَدَل المُفاوض د. محمد جلال هاشم، وأشار إلى أنّ الوفد الحكومي حَثّ الحركة الشعبية على تَوضيح مَوقفها مِمّا وصفها بالإساءات المُوثّقة لأطراف عديدة، وطالب وفد الحكومة يومها بسحب محمد جلال هاشم من وفد الحركة الشعبية المُفاوض، مُشَدّدِين على أنّهم لن يجلسوا معه على طاولة تفاوُض واحدة، ولم تَمضِ فترة طويلة من انسحاب وفد الحكومة حتى عَادَ عُضو الحركة مُجَدّدَاً لأسلوبه القديم.
والظاهر أنّ هذه لم تكن الحَادثة الأولى بين الحركة والحكومة، حيث سبق وانسحبت في 24 يناير الماضي وتعثّرت المُفاوضات بين الحكومة الانتقالية والحركة الشعبية قطاع الشمال برئاسة عبد العزيز آدم الحلو “بعد أن غَادَرت الأخيرة مُغاضبة لأكثر من شهر وطلبت مُهلة للتّشاوُر مَع قيادتها وقواعدها حول بعض القَضَايا محل التفاوُض لإكمال الرؤية حولها حسب صياغتها لمُبرّرات الانسحاب”.

أسباب الخلاف

وبالرجوع لخلفية الخلافات بين الحكومة والحركة، نجد أنّ ملف العلمانية يتصدّر أولويات الحركة التي تجتهد في أن تقرن جلوسها واستمرار الحوار بمُوافقة الحكومة الانتقالية لإطلاق العلمانية على الدولة.. وكانت الوساطة قد تحدثت عن مُقترح من قِبل الحركة الشعبية – شمال لوفد الحكومة الانتقالية مُقترحاً جديداً بشأن النقاط الخلافية والقضايا العالقة، مُشيرةً إلى أنّ الأخيرة تعكف على دراسته للرد عليه.
وقالت المصادر إنّ ضيو مطوك سَلّمَ عضو المجلس السيادي ورئيس وفد التفاوُض مع الشعبية الفريق أول شمس الدين كباشي، مُقترحاً جديداً من الحركة الشعبية – برئاسة عبد العزيز الحلو، بشأن القضايا العَالِقَة في ملف إعلان المبادئ المُتعلِّق بعلمانية الدولة وحق تقرير المصير، وأضافت المصادر بأنّ وفد الحكومة الانتقالية يعكف على دراسة المُقترح ومِن ثَمّ الرّد عليه، مُشيرةً إلى أنّ الأطراف ستلتقي في لقاءٍ مُباشرٍ خلال الساعات المُقبلة.

تفاؤل حَذِر

بالمُقابل، عبّر القيادي بالحركة الشعبية – قطاع الشمال، سعودي عبد الرحمن، عن تفاؤله بعودة الحركة جناح الحلو للطاولة مجدداً، رغم أنه لم يخف لـ(الصيحة) عن مخاوفه بشأن الانقسامات الكثيرة التي أضعفت الحركة، وقال إنّ الوساطة أنهكت بسبب تفاوضها مع مَسارين مُضادين داخل مسارٍ واحدٍ وهو مسار خميس جلال قطاع كادُقلي والذي ينضوي تحت قيادة مالك عقار، وقيادة عبد العزيز الحلو جنوب كردفان.. وتوقّع السعودي عودة الحلو إلى الطاولة بعد أن تراجع عن مواقفه بسبب مُلاسنات عضو الحركة د. محمد جلال هاشم ومواقفه المُتطرِّفة داخل المنبر، خَاصّةً وأنّ الإساءات صدرت من عضوها البارز ولسانها الناطق، وقال إنّ عودته جاءت بعد تدخُّل وساطة الجنوب بين الحكومة والحلو.

تحت الطاولة

القيادي بحركة العدل والمساواة أحمد عبد المجيد دبجو أجاب على تساؤل (الصيحة)، وقال: الركيزة الأساسية لمنبر جوبا قائمة على الثقة بين الحركات المُتواجدة هنالك، مع الحكومة، والحلو يمثل المُفاوض بلسان مجموعة سكانية كبيرة، وربما هذا ما أوجد الذهنية المُتعنِّتة ومواقفهم الصارمة.. وما يُفسِّر تصريحات أعضاء الحركة، التي لم تستطع التّحرُّر من هذه الذهنية، ربما بسبب أنّ التصريحات الصّادرة من المركز تعمل على تغذية هذه الذهنية، وأشار دبجو إلى أنّ عبد العزيز الحلو يشبه إلى حدٍّ ما عبد الواحد في مواقفه الصارمة و(الحدية) وعدم التنازُل عن مطالبه، وهذه الحدية ربما تعود للحاضنة السياسية للحركة، لذلك ما لم نقرأ هذا النقطة ولم نجد تفسيراً لمواقف الحلو المتعنتة.. أيضاً أرى أنّ مطامع الحلو تبدو مشروعة نوعاً ما، نسبةً إلى أنه يتحكّم في منطقة واسعة بجبال النوبة – جنوب كردفان، وهذا ما يجعله يُرجِّح كفة مطالبه بالطاولة.. ثُمّ لا بُدّ أن نُوضِّح أن جبال النوبة مركز ثقل للكثير من الأحزاب السياسية التي لجأت مُؤخّراً لحركة الحلو بحثاً عن مكاسب سياسية، وهذا بالتأكيد زاد من قُوة الحركة.

صحيفة الصيحة

Exit mobile version